الكلام عن الارهاب لم ينته بعد بل أـكاد اقول انه في اولى مراحله وخطواته، وبوجه عام نتحمل نحن الكتّاب مسؤولية ادانة الارهاب والتنديد به، والوقوف في وجهه، وتنبيه الناس الى خطره لا على اشخاصنا فحسب بل على الوطن كله، أمنه واستقراره واستقلاله وتنميته ورخائه او على الاصح محاولاته للخروج من الضائقة الاقتصادية التي يشعر بها الجميع ويشكون منها.
الكاتب يكتب في الاحوال العادية فيما يحلو له الكتابة فيه، ينقد او يعلق او يدلي برأيه… ولكن عندما يكون الارهاب في مقدمة الاولويات فلا يمكن يخال ما ان يستسيغ الناس هروب الكاتب من المواجهة.
عليه ان يقوم بواجبه، لان هذا قدره وتلك مسؤوليته، والناس الذين في السلطة يتحملون مسؤولية كونهم في السلطة، ونحن ايضاً في السلطة (الرابعة) التي يتهكم البعض عليها احياناً، وقد ثبت انها سلطة بالفعل (رابعة) كانت او اكثر تقدماً او تأخراً، وعلى كل من ينتمي اليها ان يؤدي واجبه ولا يهرب.
ثم ان المسألة اصبحت تخصنا نحن الكتّاب في المقام الاول بعد ان وصل الارهاب الينا، فمحاولة الاعتداء على حياة اي كاتب لم تكن بسبب آخر سوى انه يكتب رأيه ويتحمل مسؤوليته في شجاعة لا بسبب خلاف على ميراث ولا محاولة للسرقة ولا لأي سبب شخصي، انها محاولة لقتله بسبب رأي كتبه. وعندما يصل الخطر الى الكتّاب فمعناه انه قد وصل الى كل فرد منا، لأن لكل فرد منا رأياً ووجهة نظر ولا يمكن بحال ما ان يكون رأي احد هو رأي الجميع، فالخلاف في الرأي أمر محتمل بل واجب في كل الاحوال، ولكن لا يمكن ان تختلف فيكتب احدنا بالقلم ويرد عليه المقابل برصاصة.
لكل لعبة قواعدها ولا يجوز الخروج على قواعد اللعبة. اننا نكتب بالاقلام ونعبر عن اراء قد تكون صائبة او لا تكون، والقاعدة هي ان يرد الذي لا يعجبه الكلام بكلام مقابل. والفرصة متاحة الآن للجميع لكي يردوا ويتحاوروا ويتناقشوا، اما ان يرد احد بالرصاص على كاتب كتب رأيه بقلمه، فذلك هو المحظور ديناً وقانوناً واخلاقاً.
واذا وقع ذلك أثر حوادث ارهابية اخرى، فهو محظور وطنية وولاء، انه تخريب متعمد وافساد مقصود لكل مقدساتنا ، واثره لايقف عند حياتنا نحن الكتّاب ولكنه يؤثر في وطننا كله بكل مواطنيه جميعاً في امنه واستقراره ونضاله في سبيل الخلاص من ازماته، انه خطر يهدد حاضرنا ومستقبلنا.
وفي مثل هذه الحالة لا يمكن ان يكون لأي كاتب عذر في ان يختبيء ويختفي ويلزم الصمت ويطلب السلامة. فالسلامة هنا هي الخطر بعينه او هي زيادة الخطر، والتسليم بالهزيمة والخوف والهلع، السلامة الحقيقية هي ان نقف كلنا صفاً واحداً ضد الارهاب لا نخاف ولا نتردد بل لا نسكت او نصمت، وعلى كل منا ان يقول رأيه ويتحمل مسؤوليته ليدرك اولئك الذين يلعبون بالنار، ان سلاحهم سوف يرتد الى صدورهم ويعلموا ان الرصاصة لا يمكن ان تهزم القلم.
والامر يتطلب ان ندين الارهاب والا نخافه، وليس من المطلوب ان ندين شخصاً او مجموعة بعينها ربما كانت مؤشرات توصي بهوية الارهابيين الذين يقومون بكل هذه الاعمال الاجرامية… فليس من العدل او الانصاف او احترام سيادة القانون في شيء، ان نطالب انفسنا بتوجيه الاتهام الى مجموعة بعينها من الناس قبل ان تقول – المفروض- اجهزة الامن كلمتها بل قبل ان يقول القضاء كلمته.
واذا كنا نحن الذين نهتم بالامور العامة او بالسياسة بتعبير آخر، نعرف ان هناك ما يوحي بأن مجموعة من الارهابيين المتطرفين، هم الذين تحوم حولهم الشبهات لاسباب سياسية وواقعية معروفة، فانه من باب اولى لا بد ان تكون اجهزة الامن تعرف ذلك بل تعرف اكثر منه، وان لم تفصح عنه علانية لاسباب تتعلق بسير التحقيق بغية الوصول الى الجناة الحقيقيين والى المساعدين والمحرضين والممولين سواء في الداخل او في الخارج.
صحيح ان الارهاب بصوره التي تكررت في السنوات الاخيرة في فترة زمنية وجيزة، أمر غير عادي ولا مألوف في عراقنا ولكن رغم ذلك فقد وقعت احداث مماثلة في فترات من تاريخنا الحديث والمعاصر، والاغلبية الساحقة من هذه الاحداث للاسف الشديد كانت مرتبطة بتداخل الدين والسياسة.
ان الغالبية العظمى لاعمال الارهاب كانت مرتبطة بجماعات تحتمي وراء الدين وتتخذ شعارات دينية اسلامية لا احد يستطيع ان ينكر ذلك. هذا هو المناخ العام للارهاب في العراق رغم ان الدين الاسلامي هو دين التسامح، وحرية الرأي والعقيدة وتحكيم العقل ورفض العنف ومنع قتل النفس البشرية بغير حق.
ولا يمكن ان يكون هناك اي مبرر ديني للارهاب واغتيال الانفس ثم الفرار والهرب، ولا يمكن ان يكون هناك اي مبرر سياسي للارهاب ايضاً، فالنظم لا تتغير بقتل الاشخاص حتى لو كانوا رؤوساء للجمهوريات او رؤوساء وحكومات، ولا يمكن ان يكون مبرر اخلاقي يجيز ان تتولى جماعة الأخذ بالثأر من رجل كان يتولى مسؤولية حكومية مهما قيل انه تجاوز حدوده.
مقالات كثيرة نقرؤها، متباينة الاسلوب، مختلفة المقاصد، وكل يدلي برأيه ولا حجر على احد ولا مصادرة لفكر احد في هذا المناخ الذي لم يعرفه العراق في اي فترة من تاريخه، كان المتوقع ان يكون الحوار والنقاش الحر هو السلاح الوحيد الذي يستخدمه كل صاحب فكر ديني او علماني معتدل او متطرف.
لكن الرباط الذي يربط بين كل حوادث الارهاب المؤسفة، هو النتيجة المتوقعة لكل منها. الاضرار بالأمن والاخلال به واشاعة الخوف في عقول الناس وفي قلوبهم وما يستتبع ذلك من اضرار سياسية واقتصادية تضر الوطن في الصميم ويجنى الجميع بلا استثناء ثمارها المرة المسمومة.
ليس لنا في النهاية سوى التأكيد على جميع الكتاب، بأن يكونوا في هذا الوقت بالذات، اشجع من الارهاب في اي وقت مضى. والتأكيد على جميع المواطنين بأن يكونوا في هذا الوقت بالذات احرص منهم في اي وقت مضى على مصالح العراق العليا وقضاياها الوطنية، وان يعلم الجميع ان مكافحة الارهاب ليست مهمة او مسؤولية اجهزة الامن وحدها. انها مسؤولية الجميع، لاننا جميعاً نريد ان نكون آمنين، نعيش في وطن آمن، مستقر، لا في غابة وحوش لا يعرف المرء من أية جهة تأتيه رصاصة طائشة صائبة.