17 نوفمبر، 2024 9:59 م
Search
Close this search box.

مسؤولية الدولة عن تأخر السلطة القضائية في تســريع عـدالــتها

مسؤولية الدولة عن تأخر السلطة القضائية في تســريع عـدالــتها

إحدى الأمهات كانت تجوب بهو المحكمة والقلق باد على وجهها عبرت عن قلقها لعدم جلب ابنتها الموقوفة على ذمة قضية سياسية معروفة لموعد المحاكمة ولأكثر من عشر مرات وأخرى تذمرت ايضا من التأجيل المتواصل لقضية ابنها المتهم بالسرقـــة، مما أثر في صحتها خاصة وأنها تعاني من مرض السكري وأكدت إحداهن أنها لا تعرف كيف تستقي المعلومة فكل من تقصده للاستفسار يحيلها لغيره، فحتى محاميها لم تعد لها ثقة به واعتبرته من الطامعين في مالها فكيف لقضية يتم التلاعب بحضور المتهمين من قبل بعض عناصر السلطة التنفيذية وبطريقة تخضع للمساومات وبورصة الرشاوى، وهناك مئات الحالات لمعتقلين يقبعون في السجون لسنوات بسبب تلك الممارسات، والمشكلة ان بعض السادة القضاة لم يكونوا فعالين في محاسبة المقصرين، وقسم منهم يكتفي بإصدار كتاب لجهة التوقيف على ضرورة الاحضار في موعد المحاكمة القادم، وأيضا لن يتم احضار المتهم الموقوف، في ظاهرة مؤسفة في عدم احترام أوامر السلطة القضائية لانهم في امان من العقاب،  اضف هناك الكثير من الدعاوى الشرعية والمدنية أيضا يشوبها التأخير غير المبرر.
 أغلبية الزائرين لمحاكمنا بكافة أنواعها، عبّروا عن تذمرهم من كثرة المراجعين ومن غياب الارشادات الضرورية ومن البطء الكبير في النظر في قضاياهم علاوة على تعرض عدد كبير منهم لمظالم متعددة، الكثير من المواطنين يصابون بالصدمة تخلف لهم امراض مزمنة نتيجة المداهمات العشوائية او مداهمة الأجهزة الأمنية على منازلهم بتهم متعددة خصوصا الإرهاب(وهذا ما حصل مع عائلتي عندما دوهمت بعد منتصف الليل وتم ارعابهم وتخويفهم وقد تعرضت ابنتي وابني الصغير لحالة نفسية صاحبتهم لشهور إضافة الى تركهم البيت الذي عشنا فيه واهلي منذ عام 1948 في بغداد وعلى تهمة سياسية لا ناقة لي فيها ولا جمل)) ونتساءل في هذه الحالة عمن يشفي الابن او البنت او الرجل الكبير من مرضهم من يعوضهم؟.
سلوكيات بعض الموجودين بمرفق القضاء، تعكس انعدام الثقة في الجهاز القضائي، فبهو المحكمة يحكي آلاما وقصصا تدمي القلوب لأناس مروا من هذا المكان ليكون الحكم المنطوق من القاضي محددا لمصيرهم.
السلطة القضائية في حاجة الى تســريع عـدالــتها حتى لا تنتهك حقوق المتقاضين
إن التباطؤ الكبير في النظر في القضايا المطروحة لدى المحاكم ببلادنا يمثل نقطة سوداء في مجال العدل والعدالة ومسألة تتطلب العناية والاصلاح فأغلبية المواطنين الذين أضر بهم هذا التباطؤ أصبح لديهم شك في مدى استعداد السلطة القضائية لحماية حقوقهم وهو ما ولّد لديهم الشعور بعدم الثقة في هذه المؤسسة المسؤولة عن ضمان حقوقهم مقابل ذلك تؤكد عديد الأطراف على ان التباطؤ في انجاز القضايا يعود بالأساس الى ارتفاع عددها خاصة بعد الاحتلال مقارنة بعدد القضاة مما يجعل امكانية انجازها في فترة زمنية معقولة أمرا مستحيلا، وهناك صعوبة في الحصول على الاحصائيات التي قد تبرر حجم المظلمة التي يتعرض لها المتقاضون وايضا تلك التي قد تثبت ان هناك تفعيلا للقانون الضامن للتعويض للمواطنين المتضررين.
ان الخوض في ظروف عمل العدالة القضائية ببلادنا يدعو الى دق ناقوس الخطر خصوصا إذا كان الجهاز الضامن لحقوق الانسان ينتهك في بعض الاحيان حقوقهم !! وهنا تكمن المفارقة التي صدمت المواطن وجعلت ثقته في المؤسسات القضائية ضعيفة جدا، فعن اي عدالة نتحدث وحقوق بعض المواطنين تنتهك وأموالهم تستنزف والنطق المتأخر للأحكام في قضاياهم قد غيّر مصير حياتهم او أضر بها؟ .
المواطنون عبّروا في عديد المناسبات عن تذمرهم من البطء الكبير في حلّ قضاياهم وتعرضهم لمظالم كبيرة، فبعض القضايا تدوم مدة تداولها شهور وسنين ثم يكون الحكم بعد ذلك بالأفراج او براءة المتهم او برد الدعوى او ابطالها وتضيع الشهور والسنين من حياة المدعي او الموقوف بل ويتغير مجرى حياته إلى الأسؤ.
إذا أردنا استقلال القضاء فإنه ينبغي أن يبقى دائما مرتبطا بمبدأ المسؤولية الذي أصبح من المبادئ المسلم بها في مختلف الدول وإخضاع أعمال السلطة القضائية لرقابة المحاكم والاعتراف بشرعية التعويض عن الأضرار الناشئة عنها الذي يعتبر إحدى مظاهر التطور الذي شهدته المسؤولية العامة،  وكنت أتمنى ان ينص الدستور العراقي لعام 2005 النافذ على مبدأ تعويض المتضرر كما هو حال اغلب الدساتير ومنها الدستور المغربي في (فصله 122) لمبدأ المساءلة الذي جاء في طياته “يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة” تكريسا لهذا التطور ودعم دولة الحق والقانون واستكمالا لمبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال سلطاتها الثلاث، وبالتالي تمكين المتقاضي من مساءلة السلطة القضائية كأساس تنهض عليه استقلالية القضاء، والسؤال الذي يتظاهر لدى جميع المختصين، هل يعد البطء والتأخر في تسوية النزاعات القضائية وإصدار الأحكام بشأنها خطأ قضائيا تسأل عنه الدولة؟
لقد استند مجلس الدولة الفرنسي في حكمه إلى الفصل السادس من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في فقرته الأولى التي تنص على أن “لكل شخص الحق في أن تسمع دعواه هيئة محكمة بصورة عادلة وعلنية خلال مهلة معقولة والفصل الثالث عشر من هذه الاتفاقية الذي اقتضى أن: “لكل شخص تنتهك حقوقه وحرياته التي تكفلها هذه الاتفاقية الحق في مراجعة مجدية أمام محكمة وطنية، حتى ولو كان هذا الانتهاك قد حصل عبر هيئة أثناء ممارستها وظائفها الرسمية”.
استنادا لهذين الفصلين فإن للمتقاضين الحق في أن يفصل القضاء في قضاياهم خلال مدة معقولة، وإذا نجم عن التأخير في إصدار الحكم في مدة معقولة أضرارا، فإنه يجب أن يحصل هؤلاء المتقاضين على التعويض عن الأضرار التي سببها السير الخاطئ للمرفق العام القضائي (محكمة بداءة مثلا).
وان تقدير الفترة المعقولة لإصدار الحكم يكون خاضعا لمعطيات تجعل هذه الفترة مختلفة بين قضية واخرى، حيث تؤخذ في احتساب الفترة المعقولة، استعمال الوسائل والمتطلبات المعطلة للنظر في الدعوى وتصرفاتهم خلال سير المحاكمة، أو مدى اشتمال الدعوى على نقاط قانونية تحتاج إلى دراسة خاصة.
باعتماد هذه المعايير تكون المحاكم بمختلف درجاتها قد أصابت، لأن الفترة الفاصلة بين تقديم الدعوى وإصدار الحكم في أي قضية يجب مراعاته، حيث وجدنا دعاوى عديدة بلغت مددها خمس الى سبع سنوات من أجل حل نزاع لا توجد فيه أية صعوبة خاصة، هي فترة طويلة جدا وهذا ما يستوجب جبر الأضرار المادية والمعنوية لوجود علاقة سببية ومباشرة نجم عن تأخر القضاء في الاعتراف بحق المدعي.
 والقانون الجنائي الفرنسي يشترط الخطأ الجسيم لترتيب مسؤولية الدولة عن أعمال القضاة، ونجد في هذه الحالة صعوبة إجراء تمييز بين الخطأ الجسيم والخطأ البسيط وأن المسؤولية يجب ان تترتب عند توفر الخطأ دون الاعتداد بجسامته أو بساطته، أي استبعاد فكرة الخطأ الجسيم، ونكتفي بشرط تأخر القاضي عن إصدار الحكم داخل أجل معقول لتم ربط هذا التأخر بمسؤولية الدولة عن أعمال السلطة القضائية.
لقد كان في استطاعتنا السبق إلى مثل هذا الحل لو كنا حريصين على العدالة، كمرفق عام لا كسلطة.
وفي العراق فإن القاعدة السائدة بخصوص مسؤولية الدولة عن الأعمال القضائية لحد الان هي عدم المسؤولية إلا بصفة استثنائية وفي الحالات التي ينص المشرع عليها صراحة، وهناك ضرورة لإقرار مسؤولية الدولة لترشيد عمل القضاء وتعزيز مكانته كمؤتمن على الحقوق والحريات وكأحد دعائم ثقة المتقاضي في المؤسسة القضائية وبخصوص التأخر والبطء في فض النزاعات وإصدار الأحكام نجد الفصل الخاص بالحقوق والحريات من الدستور العراقي الذي يتعهد في ديباجته بالتزام احترام حقوق الإنسان، وفي نظرنا أن الحق في المحاكمة العادلة يأتي في مقدمة هذه الحقوق كما أن العراق ما فتئ يفي بالتزاماته الدولية، ونرى أن من بين التزاماته أن يجعل تشريعه الداخلي يستجيب للمواثيق الدولية التي قبلها وصادق عليها بدون تحفظ ومنها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية فهذا يدفعنا الى الطلب من الدولة العراقية بكافة مفاصلها بدسترة الحق في المحاكمة العادلة وبحكم يصدر داخل أجل معقول من خلال إيجاد نص دستوري ينص على أن (لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر داخل أجل معقول…) ليتم تكريس المبادئ السامية للعدالة وقيم حقوق الإنسان، وأهم هذه الحقوق الحق في المحاكمة العادلة خلال مهلة معقولة، وليتم التعويض عن البطء والتأخر في فض النزاعات وإصدار الأحكام وما ينتج عنه من أضرار مادية ومعنوية التي قد تلحق المتقاضين من جراء طول انتظار الفصل في الدعوى وما يترتب عن ذلك من ضياع الحقوق المادية والمعنوية فهل تسأل الدولة عن التأخر في فض النزاعات المعروضة على المحاكم؟ وعلى أي أساس تقوم هذه المسؤولية؟
فإذا كان القانون الفرنسي أقر التعويض عن البطء في فض النزاعات نأمل من التشريع العراقي أن يخطو نفس خطوات المشرع الفرنسي بتطوير مقتضى النص الدستور وتنزيله التنزيل السليم بإدخال إصلاحات على الإجراءات القانونية وجعلها أكثر بساطة حتى يتم تسريع البث في القضايا المعروضة على المحاكم بجميع درجاتها وصولا بمحكمة التمييز مع تعميم عملية تحديث الولوج لمرفق القضاء وتسهيل هذه العملية.
ان التأخر في انجاز الملفات القضائية ظلم يتسلط على المواطن امام غياب خطة ناجعة واستراتيجية تشخيص للنهوض بالقضاء العراق وإيجاد تشريعات تؤمن ذلك.
رفع المظالم عن المواطن والاسراع في انجاز القضايا واعادة الثقة في الجهاز القضائي يتحقق عن طريق اصلاح شمولي لهذا القطاع، ومن خلال اصلاح القوانين بشكل يخفف عبء تكديس الوثائق في ملفات قضايا المواطنين والتخفيف منها كي لا يتعطل المواطن والقاضي في نفس الوقت في انجاز مهمته، وضرورة تشخيص ادارة العدالة التي تشكو التهميش وتغيب فيها كثير من مقومات العمل تجعل من تذمر المواطن وتعرضه لمظالم بمختلف انواعها نتيجة البطء في انجاز القضايا هو نتاج ظروف العمل داخل المحكمة والمتعلقة خاصة بإدارة العدالة(الإدارة القضائية) غير القادرة والجاهزة لتحقيق العدالة المنشودة للمواطن ما لم يتم تطويرها.
ان البحث الدقيق لمعرفة عدد القضايا التي نظرتها المحاكم العراقية والتي رفعت من قبل المواطنين، قصد جبر الضرر ورفع المظلمة التي يتعرضون لها بسبب التباطؤ في انجاز ملفاتهم مهم وجوهري، ومن مراجعة الاحصائيات التي ينشرها موقع السلطة القضائية بصدد جداول الحسم للقضايا المعروضة على المحاكم العراقية وبخاصة محكمة التمييز الاتحادية، نجدها مبالغ فيها وتستحق الوقفة امامها، لان عددها وفق الظروف والقدرات والامكانيات لأي(قاضي) بالوضع الطبيعي والمعتاد، لا يمكن تحقيقها، [حيث اعلنت السلطة القضائية العراقية المحترمة على موقعها الرسمي مؤخرا(عام 2014)، خبرا مفاده ان “التمييز” الاتحادية تحسم 3217 دعوى الشهر الماضي وبإحصائية بسيطة بقسمة العدد اعلاه على 30 يوم ايام الشهر بما فيها العطل الرسمية يكون معدل اليوم الواحد للحسم 108 قضية، وبقسمة المحسوم باليوم الواحد على 8 ساعات مدة العمل لليوم يكون المنجز في الساعة الواحدة 14 دعوى وبقسمة عدد دقائق الساعة على 14 يتضح ان القضية تأخذ 4,28 أربع دقائق واثنان وثمانون ثانية مع لحاظ عدم احتساب العطل الرسمية. مما يعني ان القضية الواحدة في محكمة التمييز الاتحادية تحتاج أربع دقائق فقط لتحسم كل هذا مع احتساب ايام العطل خلال الشهر دوام رسمي…] تم نقله نصا من احدى المواقع.
ان هذه الإحصائية وفق ذلك، تعد بالغريبة والمثيرة لعدة تساؤلات وتحتاج الى توضيحات لإزالة الغموض والتأويل الذي قد يسرف باتجاهات سائبة، ولا نريد ان تكون حقوق المواطنين ضائعة في مؤسسة قضائية تمثل الالية الضامنة لحقوق الانسان ولسيادة القانون، وعلى الدولة العراقية تحمل مسؤوليتها امام مواطنيها.

أحدث المقالات