15 نوفمبر، 2024 12:46 م
Search
Close this search box.

مسؤولية الخلق امام الله والرعية

مسؤولية الخلق امام الله والرعية

لقد احترت كيف ابتدا كتابتي عن معنى الحلق واسبابه ومسؤوليته بعد الخلق وكيف يؤديها ويؤتمن عليها وهو اعرف بها من غيره ,وقد زادت حيرتي عندما شاهدت الانحرافات بجميع انواعها عند من يتولي المسؤلية سواء العامة او الخاصة ,لذلك ارتايت ان ابدا واكتب مااستطعت من الامر واساله تعالى الرضا والقبول .
لقد خلقنا الله وعلا لعبادته وأوجدنا لتوحيده وقد حمّلنا أمانة الدين بعد أن أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها بل زاد الأمر أن أشفقن من حملها في إشارة إلى عظم شأنها وثقل حملها وبالنظر إلي نتائج ذلك الحمل العظيم وتبعاته ، فالجميع مسؤول أمام الحق تبارك وتعالى ، حتى الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام كل في دائرة اختصاصه ، وفي إطار مهمته ، وحيز صلاحياته قال تعالى : ” فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ” ولن يقف أحد مهما كان خارج دائرة المسائلة قال تعالى :
” فوربك لنسألنهم أجمعين ” حتى الصادقين من عباد الله سيسألون ، قال تعالى” ليسأل الصادقين عن صدقهم ” وسيسأل أهل الأموال عن نفقاتهم قال تعالى ” واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ” والمؤودة تسأل من باب تأكيد شناعة الفعل ” وإذا المؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ” ومن يعش في النعيم ويتقلب في حياة الترف والرغد سيسأل عن النعيم قال تعالى ” ثم ليسألن يومئذ عن النعيم ” وقد أخذ الله جل وعلا العهد على جميع مخلوقاته وأمرهم بالوفاء به وأنهم سيسألون عنه قال تعالى ” وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا” والعبد مسؤول أيضا عن ضبط جوارحه واستخدامها فيما يرضي الله تعالى قال تعالى ” إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا “
هل تأملت معي عظم ما تحمل يا عبد الله من مسؤوليات ومهام ، هل قدرت معنى المسؤولية الحقيقة في حياتك وهي الالتزام بطاعة ربك جل وعلا وبسنة نبيك محمد صلى الله عليه واله وسلم وترك ما نهى عنه الله وما نهى عنه رسوله صلى الله عليه واله وسلم ألا ترى مما سمعت أن وقوفك سيطول في ذلك اليوم كلما زادت مساحة مسؤولياتك وعظم حجم أمانتك .

السؤال أمر عظيم ، ونحن بحاجة فعلا لنعود إلى ما حملنا من مسؤوليات وأمانة ما دامت أقدامنا لن تزول حتى نسأل عن كل شيء في حياتنا ، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه واله وسلم ” لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين أكتسبه وفي ما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به “
وهنا دعوني بكل شفافية ووضوح أوجه هذا السؤال لكل مسؤول أيا كان ومهما كان حجم مسؤولياته ، للمسؤول الذي لم يراعي حق تلك المسؤوليات ولم يجتهد ويصبر في حمل ما حمله الله به
أين أنت من ربك جل وعلا ؟ أين مراقبتك له ؟واستشعار مراقبته لك ؟ لماذا انتهكت محارمة ؟ وتعديت حدوده ؟ وتماديت في عصيانه ومخالفة أمره ؟ ألا تعلم أن أعظم الخيانة خيانتك لربك جل وعلا ذلك أنها السبب الأول في خياناتك الأخرى مع ذاتك مع الآخرين ، قال تعالى :- ” علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم ” البقرة 187
كيف تبغي حماية الله لك وأمنه وأنت لم ترعى ما بينك وبينه ” إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله لا يحب كل خوان كفور”

أيها الأب أيتها الأم أين عنايتكما بأبنائكم وبناتكم فيما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم لماذا جعلتموهم أسرى لأصدقاء السوء وقنوات الفساد وأعوان إبليس ، قال صلى الله عليه واله وسلم: ” ما من عبد يسترعيه الله رعية ، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ”
أيها الأزواج : لماذا كل ما رأى أحدكم من صاحبه ما لا يوده ويرغبه تعدى على الحرام إما بنظر أو سمع أو فعل , أين مكانة كل واحد منكم في قلب الآخر ألا تعلم أن المودة إذا نزعت بين الزوجين تبقى الرحمة , بل لماذا كثرت الخيانات الزوجية والأسرية في المجتمع المسلم وانتشرت الفاحشة وكثر أولاد الخطيئة والله المستعان نهى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يتلمس عثراتهم ” 

أيها المعلم في فصلك والقدوة بين أقرانك والمربي في مجتمعك أين إخلاصك  بذلك للعلم وصناعتك للأجيال وأين صبرك على ذلك كله , اهتممت بالمعرفة وتركت التربية , حرصت على إيصال المعلومة ولم تأبه بتعديل السلوك ، ألا تعلم عن فضلك وفضل ما تحمل ، إن تحقيرك لدورك في مجتمعك هو من أسباب تقصيرك في دورك الهام في مجتمعك .

أيها التاجر وصاحب المال والعقار لولا فضل الله عليك ما عشت في دنياك هذا الغني ، فاحذر أن تخون أمانة الله التي استودعك إياها واعلم أن المال مال الله وليس لك من الفضل شيء حينما تسخره في أوجه الخير بل الفضل لله أولا وآخراً يوم أن هداك للبذل والإنفاق والصدقة والعطاء وإن رأى منك غير ذلك فاعلم أنه استدراج منه جل وعلا قال تعالى :- ” ولا يحسبن الذين كفروا… (أي كفروا بنعمة الله وجحدوا بها ) أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزادوا إثما ولهم عذاب مهين ” آل عمران 178
أيها العامل في معمله والموظف في مكتبه والأمين في مستودعه والمدير في إدارته والأمير في أمارته والملك في مملكته أين حرصكم على رعاياكم مع من قدمكم الله عليهم ؟ لماذا قدمتم مصالحكم على مصالح من ورائكم ؟ لماذا انتشرت الرشوة وتفشى الربا وأصبح من يريد شيئا هو له حق يفكر في إيجاد واسطته قبل أن يتحدث عن حقه له ، إن الخيانة إذا انتشرت في مجتمع أو كيان أو في أمة انتشر الباطل والغش والكذب والمجاملات الخادعة وخفت الحق وذل أصحابه وإذا انتشرت الخيانة في مجتمع زاد حجم الخسائر وقل منسوب الولاء وأصبحت لغة الحسد والبغض والكراهية هي اللغة السائدة على جميع اللغات , عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : قال الله ” ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنة ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره”قال  رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول : ” من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيام.. فماذا يقول من أخذ الأموال والسيارات والعقارات لله عز وجل .
ومن المهم أيضاً في موضوع الأمانة وسؤال الملك العلّام أن أشير على ضرورة أن يتخذ كل صاحب منصب في مجتمعه حوله من أهل العلم والحكمة والتجربة والمعرفة ليأنس بآرائهم ويأخذ بأشوارهم ويكونوا عونا له في الفتن والملمات وعلى تلك البطانة أن تكون أمينة صادقة راشدة الرأي والتوجيه فإن خيانة البطانة وبالها جسيم وقد تعوذ الرسول صلى الله عليه واله وسلم من بطانة السوء فقال : ” اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع وأعوذ بك من الخيانة فإنا بئست البطانة “

ولو أنا إذا متنا تركنا && لكان الموت راحة كل حي
ولكنا إذا متنــا بعثنــا && ويسأل ربنا عن كل شـــيء

أيها القارئ الكريم
حينما يتحدث المتحدث عن أمر مذموم في المجتمع فلا يظن الظان أنه المقصود ، ولا تؤخذ الكلمات على غير مقاصدها ، وليس ذلك من باب اتهام الناس في نياتهم وأحوالهم ، ولا من باب الحكم بالشر على العموم أبداً فالخير في الأمة كثير وفيها من أهل الحق والرشاد ما يؤهلها لهذه الخيرية ولكن هي مجرد تساؤلات نضع من خلالها الدواء على موضع الألم علة يطيب بإذن الله تعالى , وهو اعتراف أيضا بأن الكمال ليس إلا لله تعالى , وأن النقص والخلل والخطأ من سنن البشرية وأن باب التوبة مفتوح لكل مذنب أذنب في حق ربه وفي حق نفسه وفي حق الآخرين .
وإذا حصلت الشرور والمفاسد في المجتمع المسلم وكثرت الأخطاء فعلى كل واحد من أفراده أن يكون جزءا من الحل لا جزاءاً من المشكلة ، فلنترفع عن اتهام بعضنا لبعض ونتعاون في المعالجة والحلول ، وان نجازي صاحب الإحسان بالإحسان ، وأن نواجه صاحب الخطأ بخطئه ،وأن لا نقف مكتوفي الأيدي حينما تواجه مجتمعنا فتنة أو مشكلة بل علينا المناصحة بالمعروف والدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة ولنعلم بأن صمتنا عن المنكر وتغافلنا عن الأخطاء التي تهدد مجتمعنا مما سنسأل عنه يوم القيامة .

أحدث المقالات

أحدث المقالات