18 ديسمبر، 2024 3:52 م
 لتشابه الروايات العديدة والحكايات الكثيرة التي تروى عنهم فإن الاعتقاد السائد هو أن جحا في الأدب العربي هو نفسه الملا نصرالدين المعروف لدى الأتراك.  حيث يروى في الأدب التركي أن الملا نصر الدين وقف ذات يوم وسط المدينة ونزل من دابته مؤشراً بعصاه على نقطة في الأرض قائلاً:
– يا ناس إن هذه النقطة هي مركز الأرض.
ليس من شأن السامعين التصديق به لمجرد ادعائه هذا. فكيف تمكن الملا نصر الدين من اكتشاف هذه النقطة وكيف له أن يثبت ذلك؟! الملا نصر الدين ما زال واقفاً في محله يفهم المارة بأنه الأن يقف في نقطة هي مركز الأرض.
الجماهير المندهشة من الأمر يسألونه:
– وكيف تمكنت من تحديد ذلك وعلى ماذا استندت في ادعائك؟
   الملا نصر الدين كان حاضر الجواب والذي حيرهم من جديد وما زالت العامة منشغلة به. حيث قال الملا نصر الدين:
– من لا يصدّق أن هذه النقطة هي مركز الأرض فليتحقق من ذلك.
جموع الناس:
– وكيف لنا التحقق من ذلك؟!
الملا نصر الدين:
– من لا يصدق عليه قياس الارض وايجاد مركزه ويثبت عكس ما قول.
طبعاً لا أحد يتمكن من قياس الأرض طولاً وعرضاً شمالاً وجنوباً لإيجاد نقطة المركز ومن ثم تكذيب الملا نصر الدين في ادعائه. فبقي الملا نصر الدين محقاً في ادعائه حتى بقيت تلك النقطة مركزاً للأرض وحتى يومنا هذا كما قال الملا نصرالدين.
الأمر الذي استذكرته وأنا أنوي تبديل بطارية ساعتي المتوقفة. حيث قصدت الساعاتي الذي يجلس بعربته الصغيرة على قارعة الطريق في السوق. أخرج الرجل بطارية ساعتي وقال لي:
– من أي أنواع البطاريات ترغب أن أضعها لك في الساعة.
فسالته عن الأنواع قال:
– هنالك بطارية بـ 1000 دينار وهناك بطارية بـ 1500 دينار ونوع آخر بـ 300 دينار.
وأضاف قائلاً:
– البطارية أبو 3000 ديناراً تستغرق عمراً طويلاً يصل إلى أكثر من ثلاث سنوات.
بالطبع وبدون شك فإن البطارية الغالية الثمن أفضل من الباقي جميعاً ولا مزاج لدي لأنشغل بتبديل البطارية في أزمان متقاربة. كان حرياً بي أن أطلب البطارية التي سعرها 3000 دينار وأرتاح أمداً طويلاً. سألته كما سأل الناس الملا نصر الدين:
– كيف لي أن أتأكد أن البطارية الغالية هي فعلاً أصلية.
أجاب الساعاتي أجابة تشبه ما قاله الملا نصر الدين:
– وكيف تثبت أنها ليست أصلية؟
فعلا كيف لي أن أثبت أنها غير أصلية؟
لم يستغرق الأمر سوى أشهر معدودات وقد توقفت الساعة عن العمل. عندها علمت أن البطارية كانت من أردء الأنواع وقد اشتريتها على أساس أنها أصلية.
 هذا الأمر جاري الأن في عموم السوق. فهم يعرضون نفس البضاعة بأسعار مختلفة ويدعون أن في البضاعة من الطراز الأول. هكذا يشتري الناس الرديء بسعر الجيد والتجار يصرفون بضاعتهم ويربحون الكثير. وليس لعموم الناس أن يدركوا الأمر ويثبتوا أن البضاعة المعروضة ليست أصليّة.
إذن فنحن نشتري الكثير من الأشياء الرديئة على إنها أصلية وجيدة وباب أول وليس لنا أن نثبت العكس حالنا حال الناس الذين عجزوا عن إثبات خلاف ما ادعاه الملا نصر الدين بأن النقطة التي يقف عليها هي ليست مركز الأرض.
التعامل في السوق وفي كافة مجالات الحياة والسياسة يعتمد على الحياء والأخلاق المطعم بالضمير الحي.