23 ديسمبر، 2024 6:25 م

مزورو التاريخ .. وتأسيس المدرسة الجعفرية

مزورو التاريخ .. وتأسيس المدرسة الجعفرية

رحم الله العلامة العراقي الباحث الإجتماعي الموسوعي الكبير الدكتور علي الوردي حين إختار عنوان كتابه الشهير ( وعاظ السلاطين) لانه ادرك بحسه العلمي و الأكاديمي ظاهرة الدور التخريبي لانصاف المثقفين واشباه الكتاب الذين يطلون برؤوسهم في كل زمان ومكان منذ فجر التاريخ وحتى يومنا هذا. إمعات تتصور خاطئة إنها تكتب حسب مزاجها الذي يحقق مصالحها، ضاربة بعرض الحائط الامانة الأدبية والتاريخية التي لا يمكن تزويرها أبدا مهما طال أمد التزوير ام قصر. قصة تاسيس المدرسة الجعفرية في بغداد ذكرت في كتب التاريخ ودونت بأقلام من عايشوها وكان لهم الدور الريادي في تأسيسها ومواصلة دورها للنهوض بأبناء بغداد وتعزيز تعاونهم. ولم يختلف إثنان على الشواهد والمعطيات التاريخية التي رافقت الجهد المضني لتأسيسها من خلال شخصيات وطنية عراقية أثبتت إن اللحمة الوطنية للأمة العراقية هي خير ضمان لوحدة العراق والعراقيين لمواجهة كل مخططات التجزئة والتفرقة التي فشلت في إضعاف العراقيين.

صحيفة المدى العراقية مشكورة نشرت تفاصيل محاضرة  ثقافية متميزة تطرقت من ضمن ما تطرقت له موضوع تأسيس المدرسة الجعفرية اقيمت المحاضرة الثلاثاء 19 حزيران 2007 في مجلس الربيعي الادبي في منطقة الكرادة ببغداد ألقى المحاضرة القيمة الباحث العراقي رفعت مرهون الصفار. واليكم ما نشرته الصحيفة في حينها عن تأسيس المدرسة الجعفرية بالتحديد:

حادثة (السماورات) حجر الأساس
بدأ الباحث الصفار محاضرته بالقول:
اتجه أهالي محلة (صبابيغ الآل) الى التجارة والصناعة والزارعة وظهر منهم عدد لاباس به من التجار والاقتصاديين والصناعيين واصحاب المزارع. واتجه قسم منهم الى الدارسة في المدارس الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء ولم يدخلوا المدارس الرسمية العصرية الاانه كانت لمجموعة متنورة من ابناء هذه المحلة نظرة سديدة وسعة تفكير الى افاق الارتشاف من مناهل العلم والمعرفة سواء كان في ذلك في الكتاتيب ام المدارس الرسمية.. وكان في مقدمة هؤلاء جعفر ابو التمن، مهدي الخياط، علي البازركان إذ استطاعت هذه المجموعة بمساعدة العلامة السيد محمد سعيد الحبوبي ان تقنع الحاج سلمان ابو التمن الذي بدوره اقنع والده الحاج داود ابو التمن بتأسيس مدرسة لتعليم الاولاد. ومما شجع الحاج سلمان على تأسيس المدرسة الحادثة الآتية :-
كان الحاج سلمان قد استورد سماورات بيضاء جميلة قد نفذت من الاسواق وان احد اصدقاء علي البازركان قد طلب سماورا من الحاج الا ان الحاج اعتذر لنفادها ولما علم الحاج بانها مرغوبة او عز الى كاتبه اليهودي ان يكتب برقية لطلب كمية اخرى منها. فحرر الكاتب اليهودي البرقية ووقعها الحاج سلمان وذهب الكاتب اليهودي الى دائرة البريد ليبرقها. وبعد فترة شاهد علي البازركان سماورا من نفس النوع في احد المخازن، فعاتب الحاج سلمان على عدم بيعها له وذهب الى صاحب المخزن وسأله عن مصدرها،فأخبره بأنه اشتراها من احد تجار اليهود. تأثر الحاج من خيانة كاتبه اليهودي الذي تآمر عليه مع احد اليهود لاستيراد هذا النوع من السماورات…!
هذه الحادثة نبهت الحاج سلمان الى ضرورة اعداد شباب من المسلمين يتقنون اللغات الاجنبية وعلم الحساب لاتخاذهم كتابا وكاتمي اسرار لتجارتهم ولايكون ذلك الا عن طريق فتح المدارس ولذلك دعا الحاج داود ابو التمن بعض وجهاء المحلة الى داره ومن جملتهم (السيد عبد الكريم السيد علي مهدي البغدادي والحاج عبد الغني كبه والحاج عبد الحسين الازري والحاج مهدي الخاصكي وعلي البازركان والحاج حسين الشهربلي وعلي العينجي والعالم الديني الشيخ شكر الله والحاج سلمان ابو التمن وجعفر ابو التمن. وقرروا تأسيس مدرسة واخذوا يجمعون التبرعات لتأسيسها وسميت (مكتب الترقي الجعفري العثماني) والتي ابدل اسمها (المدرسة الجعفرية) بعد احتلال الانكليز بغداد عام 1917.
والي بغداد يرفض اجازة المدرسة…

 لقد اسهم علي البازركان مساهمة فعالة لاستحصال موافقة والي بغداد العثماني على فتح المدرسة بعد ذهابه مع جعفر ابو التمن حيث اعترض الوالي على الاسم الا ان علي البازركان اخبره بان سبب التسمية هي للحصول على موافقة رجال الدين بان المدرسة تعلم اولاد المسلمين القرآن والدروس الدينية اضافة الى الدروس العصرية عندها وافق الوالي على فتحها. وافتتحت في 17 ذي القعدة 1326 الموافق 1908 وقد تاريخ افتتاحها السيد علي مهدي البغدادي
فتية شيدوا للعلم بيتا أنهضتهم إلى المعالي حمية
لم يرق مكتب سواه فارخ (راق للعدل مكتب الجعفري)
واصبح الشيخ شكر الله مديراً وعلي البازركان معاونا ورؤوف القطان مفتشاً وجعفر ابو التمن اميناً للصندوق. الحقت بالمدرسة تدريسات ليليه لتعليم الاميين من الحرفيين القراءة والكتابة وتدريس من يعرف القراءة والكتابة علم الحساب (مسك الدفاتر – البلانجو) واللغات الفرنسية والتركية، وقد توارد على الدراسة في المدرسة اعداد كبيرة من الحرفيين والباعة والتجار من مختلف الاعمار). واكتفي بنشر هذا الجزء من تفاصيل الندوة التي نشرت تفاصيلها مشكورة صحيفة المدى.

  أعود لأضع بين يدي القراء الاعزاء نص ما نشره أحمد الخالدي في موقع نبراس الذاكرة بتاريخ 22/10/2012 وكذلك نشر في موقع جريدة المستشار بتاريخ 24 /10/2012  بعنوان ( قصة تأسيس المدرسة الجعفرية ببغداد ايام الحكم العثماني بقلم احمد الخالدي )

في سنة (1324)هـ، استورد التاجر البغدادي الحاج سلمان ابو التمن سماورات من الهند وكانت اعدادها محدودة جدا وغير معروفة في العراق (السماور هو جهاز لغلي ماء للشاي، ويصنع من صفائح الفضة والبرونز الاصفر والابيض)، وكلمة سماور فارسية معناها (ثلاث معطيات)، اذ انه يتألف من ثلاثة اقسام، اعلى لوضع الفحم، وسط للماء، اسفل يتجمع فيه الرماد، متقنة الصنع، جميلة الشكل، حلوة المنظر،وفي أول نزولها للسوق نالت اعجاب الناس في ذلك الزمان وأقبلوا على شرائها ونفذت من الأسواق فور طرحها وخلال فترة قصيرة

ولما علم الحاج سلمان بذلك أمر كاتبه اليهودي (شمّيل سوميخ) بان يكتب برقية بطلب كمية اخرى مضاعفة منها لحسابه ، فمرر اليهودي برقية ووقعها له سلمان ابو التمن، وذهب بها الكاتب الى البريد ليبرقها الى مومبي في الهند .
وبعد اكثر من شهر ظهرت السماورات ولكن في حانوت عباس محبوب اغا ولم تصل لمحلات الحاج سلمان في الكاظمية والشورجة ، وتبين بعد ذلك ان (شمّيل) طلب من أحد جماعته من تجار اليهود استيراد تلك الكمية لحسابه الخاص بدلا من الحاج سلمان ، فدهش ابو التمن من خيانة كاتبه وطرده من الخدمة لديه ، وقال له احدهم بعض اصدقائه لو كنت تتقن اللغات الأجنبية لما استطاع كاتبك ان يستغفلك ويتسبب في الحاق الضرر بك ولو كان أحد أولادك يتقن اللغات الأجنبية لاستعنت به ولما حدث ذلك . من هذه الحادثة تولدت فكرة فتح مدرسة لتعليم اللغات الانكليزية والالمانية والفرنسية للنشيء العراقي الجديد من ابناء المسلمين .
في اول الامر تردد ابو التمن معتبرا ان الفكرة من الكفر والمروق عن الدين ، لكن اصحاب الفكرة ألحوا عليه فطلب منهم أخذ فتوى من السيد محمد سعيد الحبوبي، وفي اليوم التالي جاء ابو التمن مع احد اصحاب الفكرة وذهبا الى محطة الترامواي الذي نقلهم الى الكاظمية حيث منزل الفقيه الحبوبي، وبعد النقاش معه وسرد قصة السماوارات وان العراقيين من غير المسلمين فقط يحتكرون مهنة المحاماة واتقان اللغات الاجنبية، فهل بالامكان فتح مدرسة للمسلمين لتعليمهم اللغات، فقال الحبوبي انكم تشكرون على الفكرة لانها ضرورية وقال (من تعلم لسان قوم أمن مكرهم).
اجتمع الحبوبي في دار ابي التمن للترويج للفكرة بحضور السيد عبدالكريم السيد حيدر، والشيخ جواد تويج، وبعد فترة اجتمع كل من مهدي الخاصكي، عبدالكريم حيدر، علي السيد مهدي البغدادي، جعفر السيد هاشم، امين الجرجفجي، داود ابو التمن، سلمان ابو التمن، الشيخ شكر الله قاضي المحكمة الجعفرية ببغداد في مسجد الحاج ابي التمن، وتم تقديم طلب الى الوالي باللغة التركية لاستحصال موافقة باجازة المدرسة، وحصلت الموافقة.
تم اختيار القاضي الشيخ شكر الله مديرا للمدرسة، لكن الشيخ المذكور لا يملك اية شهادة مدرسية عثمانية وانما درس على يد العلامة محمود شكري افندي الآلوسي، وكان الاقتراح ان يحصل على اجازة للتدريس من محمود شكري، وحرر الاخير له الشهادة وقدمت الى مدير المعارف، لكن جواب المعارف (ان هذه الشهادة لا تخول صاحبها ان يكون مديراً لمدرسة رشدية واعدادية)، بعدها تمت الموافقة عن طريق الوالي، وبعد فترة جاء كتاب من مديرية المعارف وجاء فيه (بناءاً على الطلب المتقدم بالعريضة المرقمة (1324) من قبل الشيخ شكر الله والسيد علي البغدادي، قد سمحت الولاية بفتح وتأسيس مكتب (الترقي الجعفري العثماني)، فنرجو تبليغ المستدعين بمراجعة مديرية المعارف لتلقي التعليمات اللازمة ودمتم).
بعد وصول كتاب مديرية المعارف، استأجرت هيئة المدرسة الدار التي كان يسكنها (ارستو) الطبيب اليوناني المشهور، وهي مجاورة لمسجد الحاج داود ابي التمن بعشرين ليرة عثمانية من الذهب في السنة ) .

وهكذا يزور التاريخ وتعاد كتابته بأياد  لا يهمها الامانة التاريخية بل مصالحها الضيقة. فهل يعتقد احمد الخالدي وامثاله إنهم قادرون على تزوير التاريخ حسب أهوائهم  ومصالحهم.. فلماذا يدعي الخالدي إنه كتب المقال وتفاصيله.. ولماذا محى أي ذكر للمرحوم علي البازركان ودوره في تأسيس المدرسة الجعفرية .. على القاريء اللبيب إيجاد السبب.  وستكون لنا عودة قادمة لفضح مزوري التاريخ وكل من تسول له نفسه خيانة الامانة التاريخية وكل ما يتعلق بتاريخ العراق.
* رئيس مركز العراق للمعلومات والبحوث – لندن