23 ديسمبر، 2024 1:48 م

“مزعطلوغيات” سياسية

“مزعطلوغيات” سياسية

في كل دول العالم, شرقيها وغربيها, تقدميها ورجعيها, اشتراكيها وراسماليها, جمهوريها وملكييها, غنيها وفقيرها, نوعان من الاداء السياسي احدهما يتمثل بالمتشددين او “الصقور” والاخر يمثله المعتدلون او “الحمائم” .. الا في العراق لا حمائم لدينا ولا صقور بالمعنى السياسي المتعارف عليه.
ولاننا نكاد نكون التجربة الوحيدة بل ربما الفريدة في العالم التي تحكم فيها الموالاة والمعارضة معا فان الاداء السياسي لدينا يتقلب حسب الامزجة والاهواء والرغبات والاجندات. الامر ينطبق هنا على السلطات او مايسمى عندنا الرئاسات الثلاث نزولا الى الاستعلامات الثلاث في اي دائرة او مؤسسة حكومية. ففي كثير من المؤسسات صغيرها وكبيرها دائرة او مؤسسة مصغرة لكل حزب او كتلة لها استعلاماتها وسكرتارياتها وذاتياتها وايفاداتها ومشترياتها وسياراتها بمن فيها مصفحاتها بل وحتى اعلامها.
 لا اريد الابتعاد عن اصل الفكرة ولكن في العراق الفكرة الواحدة تتناسل عدة افكار في ان واحد. فهذه فكرة شيعية تقابلها فكرة سنية واخرى كردية ونصف فكرة تركمانية وشوية شوية للاقليات. بل المصيبة “الكشرة” ان الاقليات نفسها لم تعد تقتنع بكونها اقلية وبس. بل بات لدينا من باب التكبير نوعان من الاقليات وهي الاقليات العرقية والاخرى الدينية. ولم تتوقف المصيبة عند هذه الحدود. فهناك اقليات متنازع عليها حالها في ذلك حال المناطق “المتنازع عليها” بموجب الدستور.
هذا التنازع وصل قبل قفزة المغامر النمساوي فيليكس الى كربلاء والانبار حول قضاء  النخيب ولا نعرف بعد القفزة الى اين يمكن ان يمتد التنازع بين ابناء الوطن الواحد .. فقد يمتد الى شارع المطار.لا احد يفترض بالطبع ان تكون التجارب السياسية متماثلة في كل حزب او كتلة او حكومة بل هناك بالتاكيد متطرفون يقابلهم معتدلون وهذه احدى سنن الكون وقابليات الناس وحدود ادراكهم لما يتصدون له من مهام ومسؤوليات.
لكن في السياسة التي توصف بانها فن الممكن لا يمكن لاحد سواء كان متطرفا ام معتدلا , صقرا ام حملا وديعا ان يتعدى حدود المصالح والاعتبارات واحيانا المقامات. بل والاهم من ذلك كثيرا ما يحصل نوع من تبادل الادوار بين المعتدلين والمتطرفين او بين الصقور والحمائم من اجل تمرير قضية او انجاح مفاوضات وهو ما تستفيد منه دول كثيرة من بينها  اسرائيل التي برعت كثيرا في لعبة المفاوضات مع العرب حيث كانت تكسب من بوابة المعارضة والاقليات الحزبية. الامر دائما معكوس لدينا.. ففي كثير من الاحيان يخرج علينا برلمانيون “صفح” في وقت تكون ليس كتلهم فقط بل كل العملية السياسية قد وصلت الى مايسبه بر الامان.
ان منطق هؤلاء وهم بالمناسبة ينتمون الى كل الكتل السياسية غريب في الواقع. فالصقر في اي كتلة او حزب هو من يحقق افضل الفوائد لحزبه او كتلته لا ان يخرب الملعب لمجرد انه صقر. ان مشكلة هؤلاء تكمن ايضا في ان تصريحاتهم تتعدى في غالب الاحيان حجومهم. ثم انهم لايحسبون النتائج التي يمكن ان تترتب على ما يصدر عنهم من كلام لا يمكن وضعه الا في خانة .. المزعطلوغيات السياسية.