يولد الانسان وهو ينتمي الى طائفة ما ذلك انه لا يأتي من الفراغ وأنما هو ثمرة اجتماع أبوين لهما بيئتهما ووطنهما الذي يعيشان فيه ولهما كذلك طائفة دينية ينتميان إليها كلاهما او ان لكل منهما طائفة تختلف عن طائفة الآخر ، وتبعا لذلك يصبح لدى الانسان طائفة سواء أكانت طائفة ابيه او طائفة امه فينتمي لها بكل حال ، وحتى لو تنكر لها او أنكر في فترة من حياته ما فيها من أفكار ومعتقدات او يقوم بتغيير طائفته او دينه او ان يختار ان يحيا بلا طائفة فإنه سيظل محافظا على شكل من اشكال الانتماء لطائفته الاصلية حتى وان كان أنتماءه هذا شكليا .والطوائف تختلف دائما في الافكار بل هي قائمة على الاختلاف والتناقض فيما بينها ولولا ذلك لكان الناس كلهم على معتقد واحد وعلى طائفة واحدة ، ورغم ذلك فإن معظم الطوائف قامت أسسها على المزاوجة في الافكار المتقاربة وبحكم الضرورات التي فرضها الواقع كما ان العديد من الشعوب جمعوا بين الأفكار المتباينة فنجد لدى بعض الشعوب الاسيوية مثلا معتقدات متوارثة هي ليست دينا وفي نفس الوقت يعتنق أبناء هذه الشعوب دينا معروفا له طقوسه الواضحة والمحددة ، وذلك لا يعني انهم يجمعون بين طائفتين في نفس الوقت بل ان ذلك لا يخرج عن كونه مزاوجة بين طقوس وأعراف من جهة وأديان واضحة المعالم من جهة أخرى ، فليس هنالك جمع بين دينين او طائفتين في وقت واحد الا ان يكون ذلك حالات نادرة ان وجدت .
وقد نشأت ظاهرة ( أزدواج الطائفة ) وازدهرت في منطقة الشرق الاوسط لأسباب متعددة ، فمنذ اوقات طويلة وتحديدا في فترات الحروب والصراعات المتعددة التي شهدتها المنطقة وحين لا يكون هناك أستقرار سياسي او اجتماعي نجد بأن القوى السياسية والدينية تتصارع فيما بينها وكل ذلك يؤدى الى وقوع الانسان في حالة من الأضطراب واللا استقرار ، فقد تكون مدينة ما بين أحدى هذه الاطراف الاقليمية في الصباح وفي المساء تسقط بيد عسكر الطرف الاخر المعادي وذلك ما يعزز من قلق الانسان وحيرته وبالتالي أضطراره للترحيب بالفاتحين الجدد حفاظا على حياته وحياة اهله وهذا ما أدى الى حالة من الاضطراب واللا استقرار عند الانسان الشرق اوسطي ، فصارت رغبته في البقاء تتغلب على تحكيمه للمنطق والتفكير العلمي وحتى على ما ورثه من ثقافة وكل ذلك قاد الى تعزيز النفاق كظاهرة أستشرت بين أبناء هذه الشعوب واصبح سكانها لا يكادون يتمسكون بمعتقد حتى يتخلون عنه ويتحولون الى معتقد آخر ولو ظاهريا ، فترى الرعب يملأ نفوسهم من التغيير الذي قد يطرأ بين اللحظة والاخرى وأصبح الأستقرار بالنسبة لهم هو الهدف الاهم والغاية الكبرى حتى لو كان ذلك على حساب حرياتهم وسلب أرادتهم في حكم أنفسهم ، وفي حقيقة الامر فإن حالة ازدواج الطائفة لم ترتبط فقط بحالات الحروب والصراعات ففي أوقات السلم قد يجد الانسان نفسه صاحب أمتيازات كثيرة في حال كان يدعي الانتماء الى طائف الشخص او الحزب الحاكم ، وكم غير أشخاص ألقابهم وبدلوا طوائفهم ولو ظاهريا من اجل التوافق مع طوائف الحكام المرحليين لكسب المكانة العالية من غير ان يلحظوا بأنهم وعلى مر الزمن أصبحوا يغتربون عن طائفتهم الاصلية وذلك ما ولد لديهم ولدى أجيالهم اللاحقة شعورا بألانسلاخ من الجذور ، ان أزدواج الطائفة كظاهرة كانت ولا زالت وستظل موجودة في منطقة الشرق الاوسط مادامت نيران الحروب والصراعات مستمرة وما دامت معظم الحكومات المسيطرة لا تمنح شعوبها حقوقها في العيش بحرية وبمساواة .