في الإنتخابات، البرنامج الأكثر شيوعاً وتأثيراً في الناخب، ذاك الذي يحاكي حاجات الفرد الأساسية، من خلال إطلاق سيل من الوعود الإقتصادية، التي طالما سمعناها، وسنسمعها قريباً، مثل : وظيفة لكل عاطل، وراتب لكل عاجز، وبيت لكل مواطن، ومن هاالمال حمل جمال.
ويعد الإقتصاد المحرك الأساس لثورات الشعوب، بدافع محاربة الفقر، والفساد، وسراق المال العام، لكن سرعان ما تختطف الثورة من رجال العهد الجديد، ليحلون مكان رجال العهد المباد، ويشكلون ثراءهم ” الوطني”!!.
في العالم الغربي، الى جانب الولايات المتحدة، يهيمن الإقتصاد على البرامج الإنتخابية، مركزاً على دافعي الضرائب، والتأمين الصحي، والتقليص من معدلات البطالة، نزولاً الى المناخ والبيئة، وأخيراً الأمن المجتمعي الذي بات يشكل هاجساً لدى الناخب على خلفية العمليات الإرهابية.
وليس هناك أوجه تشابه بين برامجنا وبرامجهم، كما تظن، لأننا لانملك برامج إقتصادية أصلاً، فضلاً على أية برامج أخرى، وإنما دغدغة مشاعر تنتهي بإغلاق صنادق الإقتراع، فيما الجانب الآخر يقدم مشروعه السياسي والإقتصادي والإجتماعي، والذي من خلاله يختار الناخب بين المرشحين.
تجارب تشعرنا بالإنبهار، ونحن نراقب حركة المتغيرات التي طرأت عليها، وتحديداً المتغير الإقتصادي، بدءاً من اليابان التي خرجت مهزومة من الحرب، ومدنها محروقة، ومصانعها مدمرة، وتحت ثرى مقابرها الجماعية دفن 3 ملايين ياباني، لكن إستطاعت قلب موازين الهزيمة الى نصر من نوع آخر، لتنافس فيه اليوم إقتصاد الدولة التي ألقت عليها قنبلتين ذريتين، عام 1945 ، مروراً بـ ” ماليزيا”، التي تحولت بفعل زعيمها مهاتير محمد، في زمن قياسي من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة، فيما انخفضت معدلات الفقر من 52 % الى 5 %، وتقلصت البطالة الى 3 %، مقابل إرتفاع متوسط دخل الفرد الى 7 أضعاف، وأخذت تستقطب اليها السياح من كل أرجاء العالم، بفضل تطورها العمراني، ومنتجعاتها ومرافقها السياحية، وصولاً الى الصين، التي قادت إنقلاباً آيديولوجياً، طورت بموجبه نظامها الإقتصادي، الى جانب تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة، التي غيّرت ملامح الصحراء الى منطقة جذب إستثماري.
في المقابل، لم نحقق أية خطوة الى أمام، برغم أننا نمتلك الأدوات الطبيعية للنهوض الإقتصادي، مع النفط، وليس وحده، لكننا منشغلون عن إيجاد تجربتنا، أو حتى الإقتباس من تجارب الغير، فيما الخطوة الوحيدة المتسارعة في منهجيتنا الإقتصادية، تتجه نحو الإفلاس، والرجوع الى الوراء، والتنافس على ” لقمة الصياد”، في حين لم نحدد الى الآن ملامح نظامنا الإقتصادي، الذي لم يزل يراوح بين إقتصاديات سيامية لايمكن فصلها.