نسمع الكثير في العراق عن الحاجة الى قواعد أخلاقية مهنية لضبط الإعلام . ولكن الى مدى نأخذ في الحسبان تبعات مواجهة كهذه؟ وهل هذا هو الحل المناسب لجميع أمراض الإعلام في العراق؟ ذلك الإعلام الذي شهد اعتى موجات الارتداد المهني بسبب الميول والغايات السيئة لبعض المستفيدين والمنتفعين من الإضرار بالصالح العام، بتوجيه تهم القذف وكيل الاتهامات جزافا دونما أي مراعاة للخصوصية الفردية لمن هم في موقع المسؤولية لا سيما وان البعض منهم كان له من النجاح والسمو بمؤسسته الرسمية نصيبا يُعتد به وحريا بالمؤسسات الإعلامية والعاملين فيها أن تقدم تلك المنجزات للرأي العام في إطار مسؤولياتها الاجتماعية والأخلاقية وانطلاقا من الدور المهني الذي يقضي بتهيئة الرأي العام لتقبل فكرة المسؤول الناجح والتعامل معها في حدود دعمها مجتمعيا بما يتناسب وتعزيز صورة مثلى للمنجز العملي في دوائر الدولة ومؤسساتها، دون الإغراق في نشر وبث مزاعم واهية اقرب إلى الاجتهادات الشخصية منها الى الحقيقة والصواب، لبعض المسؤولين الذين فشلوا في ممارسة سلطتهم الوظيفية وطنيا واجتماعيا بتسخيرهم للمؤسسة او الوزارة العاملين فيها لبناء أمجاد وأساطير لا قيمة او مكانة لها الا في مخيلتهم والمتملقين لهم ممن نفخ فيهم ونفخوا فيه روح الأنانية والشهوة الوظيفية فبات الطرفين في حل عن الرأي والصالح العام حيث لاهم لهم سوى ايذاء وإقصاء وعزل الموظفين والانتفاع ان لم نقل “الانتفاخ” ماليا من المكانة السيادية التي تتمتع بها مؤسساتهم وتجيرها لملذاتهم ونزواتهم البذيئة. وكل ذلك بهدف بناء سواتر مواجهة بين الرأي العام والمسؤول الناجح للتغطية على فشلهم واستهتارهم بالصالح العام .
هكذا وللأسف مارس الإعلام العراقي ذلك الدور القبيح بتقديمه وطرحه للخطاب غير العقلاني والقائم على الانتقائية والتمايز وعدم التوازن، والذي عكس فيه وبوضوح نموذج “الإعلام الوقح” الذي تلاعب بالهم الاجتماعي العراقي وقفز على المسميات الوطنية وأساء لمختلف التشكيلات العامة والخاصة، فمرة يسيء للرموز والمرجعيات الدينية والاجتماعية وأخرى للمجتمع والمواطن بالاستخفاف بحقوقه في ان يسمع ويرى ويقرئ الحقيقة كما هي دون تزييف وتدليس، ولعل الأهم في ذكر ممارسة تلك الوقاحة هو محاولة النيل من المنجز الوطني للمؤسسة الامنية في تصديها للعبث الإرهابي في العراق وتسويق تلك المؤسسة ومن انتمى لها في اطار التكليف الوطني والديني على انهم قتلى ومجرمون ومستباحو حقوق ليس الا، ولعل ابرز مثال على ذلك ما ادعاه رئيس هيئة النزاهة السابق القاضي رحيم العكيلي، والذي كتبت المقدمة اعلاه بحقه باعتباره مثِال لما قيل حيث عزل الاخير نفسه في زاوية المهاجم للنجاحات والمنجزات التي صارت تتحقق فيما اعتبره شخصيا إقطاعيته – هيئة النزاهة – التي استلبت منه بذرائع جوفاء وبعيدة عن القبول المنطقي!! . عموما وفي إحدى المقاربات التي تدلل على ذلك التدني الاخلاقي المشترك للمسؤول والوسيلة الإعلامية في الترويج للأكاذيب ومحاولة إيهام الراي العام من خلال تقديم الراي الشخصي على أساس الحقيقة نذكر مثالين يعكس واقع ما نقوله .. الاول حين سئل القاضي رحيم العكيلي في إحدى القنوات الفضائية المناوئة للعملية السياسية والشعب العراقي عن حقيقة داعش في العراق رد القاضي ان على الحكومة ان تميز بين الارهاب والحراك الثوري وان داعش امتداد للمد الثوري الناقم على الاستبداد الداخلي وهو حق طبيعي للتحرك المسلح !!. والثانية حين تتيح قناة فضائية اخرى للعكيلي الحق بتصدير أكاذيب واتهامات وتعمل هي الأخرى وفقا لاجندتها التي تستهدف النيل من العملية السياسية في العراق والسعي الى حصرها في منطقة الطائفية والمناطقية بتكرار بثها في محاولة لتنميطها وقبولتها لدى الراي العام العراقي، حين ادعى على الرئيس الحالي لهيئة النزاهة القاضي علاء جواد الساعدي بتجاوزه على المال العام وتخصيص اكثر من مئة ألف دولار لأداء مناسك الحج للعام الجاري. الواقع ان الحركة الاخيرة للعكيلي تعكس الطبيعة اللامهنية التي كات تدار بها الهيئة في عهده والتي هي بمثابة ادانة للعكيلي نفسه حيث لا هم له انذاك سوى خلق وانشاء طوابير من الجواسيس والمنافقين الذين وظفوا جهدهم الجهيد باختلاق الاكاذيب ونشرها وبثها. فضلا عن كونها امتداد لحالة التسقيط الذي يمارسها العكيلي بحق القاضي علاء الساعدي منذ تولي الاخير مسؤولية ادارة هذا الجهاز التنفيذي الكبير الى جانب مسؤولياته في ادارة هيئة دعاوى الملكية وفض النزاعات والتي لم يؤشر حتى كتابة هذا المقال اية شائبة يمكن ان تدين الساعدي في استغلال منصبه وصلاحياته، واما بالنسبة للاموال التي ادعى البعض ومنهم ا العكيلي بأنها سخرت لنفقات الساعدي فالامر وحسب بيان الهيئة تم تفنيده باعتبار ان رحلة السيد الساعدي كانت لاغراض رسمية لمتابعة ومراقبة اداء لجنة الحج والاطلاع عن طبيعة الخدمات المقدمة للحجاج العراقيين لضمان تمتعهم بمستوى لائق من الخدمة يتناسب وحجم المقدرات المالية التي تم تشخيصها للجنة وبالتالي فالامر يمثل حالة صحية ومحمودة على الصعيد المهني والوطني باعتبارها تكريس للدور الحقيقي للمسؤول في تاديه واجبه وعليه؛ فأية تجاوزات تتعلق فيما بعد بعمل تلك اللجنة ستقع وبشكل مباشر على السيد الساعدي باعتباره رقم واحد في معادلة تقييم ومراجعة اداء لجنة الحج وهو ما كان للعكيلي ان يترقبه هو وطابوره الاستخباري فيما بعد للتأكد من عميات التلاعب بالمال العام ان وجدت اصلا ومن ثم التصيد بالساعدي وفقا لارقام وشهادات واقعية وليس افتراضية ومن محض مخيلة عدائية فحسب.
اخيرا لم يكن المقال محاولة للنيل من العكيلي او الاعلام العراقي او الرفع من قيمة الساعدي بقدر ما انه دعوة للمؤسسات الاعلامية العراقية بعدم الجزم في الامور ابدا لان ذلك قد يكون مقدمة للمشاكل المستعصية وبدل ان يكون الاعلام الحل سيكون الازمة نفسها، لا سيما وان التهم المتبادلة بين الاعلام والهيئات الرسمية تحط من قيمة العمل السامي للاعلام المتمثل بمراقبة اعمال الحكومة، من خلال محاسبة متخذي القرار. في هذه الحال، علينا مراجعة المرتكزات : مثل دقة المصادر والمصداقية واعادة التدقيق بالحقائق، والتصرف بحكمة حتى لا تفلت منا زمام الامور. وايضا هي دعوة للمسؤول السابق والحالي الاخذ بالحسبان ضرورة ان يكون النموذج المهني الناجح في مسوؤلياته وسلطاته اهلا للتسويق ومدعاة للتثقيف الوطني باعتباره واجهة جديدة ومهمة يمكن ان نتطلع بها الى واقع يناسب حجم التحديات والطموحات التي نستشرفها ويستشرفها المواطن العراقي.