23 ديسمبر، 2024 5:18 ص

مزاعم الإمامه من التأسيس إلى التمكين

مزاعم الإمامه من التأسيس إلى التمكين

مَزَاعِمُ الإمَامَةِ مِن التَّأسِيسِ إلى التَّمْكِين
ثمة مطامح قديمة لا تزال قائمة بين طائفتين كلتيهما تسعيان بغير كلل أو ملل إلى اقتناص الوطن العربي تحت أي مسمى أو مظلة دينية أو سياسية ، المهم هو السعي إلى تحقيق سلطة الاقتناص وامتلاك مفاصل الدولة المصرية ومن ثم التحكم في البلاد والعباد.
الطائفة الأولى هي ولاية الفقيه ، وهي ما تمثله الجماعات الإسلامية وجماعة التكفير والهجرة ، وأنصار بيت المقدس، وجبهة النصرة ، وولاية سيناء ، تلك الفرق والجماعات التي ترتبط بولائها لأمرائها الذين يصدرون الفتاوى لاسيما التي تتعلق إما بتكفير الآخر المخالف في المعتقد الديني أو الفكر ، أو المسائل المتعلقة بشئون النساء وهم بالضرورة مغرمون بقضايا المرأة بدءا من زواج الصغيرة التي لم تبلغ بعد مرورا بإرضاع الكبير انتهاء بنكاح الجهاد وكأن مجمل تفكيرهم الديني لم ولن يخرج عن مطرقة التكفير وسندان المرأة وجسدها .
والطائفة الثانية هي ولاية المرشد ،وهي الولاية المتأرجحة التأسيس والتكوين والتمكين ، فالبداية تكمن عند حسن البنا بتنظيمه وأبي العلى المودودي بحاكميته التي اقتنصها من بعد سيد قطب في كتاباته الأكثر تطرفا ودعوته إلى إسقاط النظام السياسي لعداء شخصي مع الرئيس المصري جمال عبد الناصر وترويجه للفوضى عن طريق استغلال الفقر المعرفي لدى بسطاء الريف وجاهزية أعضاء جماعة الإخوان للسمع والطاعة ، ثم ولاية التمكين عند الخوميني ومن والاه في أثناء الثورة الإيرانية التي ألصقت إحداثياتها ومشاهدها السياسية بأنها الثورة الإيرانية الإسلامية ، وهي سلطة مطلقة تملك الأمر والنهي والسمع والطاعة لما يصدر عنها من تعليمات أقوى من سلطة القانون وأحيانا سلطة النص الديني في حالة غياب تام من إعمال العقل لمريدي ولاية الفقيه.
والقاسم في تشابه الولايتين يكمن في بدايات التأسيس من حيث الدعوة إلى الإصلاح والتحلي بالقيم الصحيحة والأخلاق السامية وما يتزامن مع تلك الدعوة من إحياء بعض العادات الدينية ، كما تتشابه الولايتان في وجود سلطة فوقية مطلقة تملك حق الإقرار وإصدار الأمر والتفويض المطلق في التفكير بدلا من أعضاء الطائفة كما في حالتي جماعة التكفير والهجرة المتمثلة في سلطة أمير الجماعة ، أو في سلطة المرشد في حالة جماعة الإخوان المسلمين ، وأخيرا من مشاهد التشابه هو تحول الفكر الإصلاحي إلى ممارسات عدوانية وأخرى قمعية إقصائية صوب الآخر مع استدامة حلم الوصول إلى الحكم إعلانا للخلافة الإسلامية حسب زعم تلك الطوائف والتيارات .
ومن وجوه التشابه بين تلك الولايتين ؛ الفقيه والمرشد والصراع مع أية سلطة رسمية في الدولة هو الملمح الرئيس في العلاقة بين تلك الجماعات والأنظمة السياسية الحاكمة ، بل إن من ملامح الصراع النفسي الداخلي لتلك الجماعات أنها تسمح لفقيهها وأميرها أو لمرشدها الديني والروحي بسلطات مطلقة تحكم وتنعم وتحرم ، لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى تقييد سلطات الحاكم الرسمي للبلاد الإسلامية ومحاربة النظم المجتمعية والمؤسسات المدنية بصورة شرسة إلى حد تكفيرها ومنع أعضاء هذه التيارات والفرق من العمل بمؤسسات الدولة باعتبارها مؤسسات كافرة وخارجة عن الدين ونصوصه.
والمستقرئ لتاريخ ولاية الفقيه وولاية المرشد يدرك على الفور وعجل الرؤية أن أحد مسببات سقوطهما السياسي قبل السقوط الديني هو فقر الاجتهاد وقلة إعمال العقل والسعي دوما إلى استلاب طوائف المجتمع دون الإنصات إلى مطالبهم أو السعي لتحقيق مطامحهم المشروعة . فضلا عن حالة الفصام المعلنة أحيانا والمستترة أحيانا أخرى التي يمكن توصيفها في حالتي ولاية الفقيه وولاية المرشد وهي تقييد السلطة الدنيوية للحاكم في ظل الاهتمام بامور الآخرة والجنةوالنار وقضايا الحرام والحرام والابتعاد عن كافة مباهج الحياة وفتنتها أيضا ، والوجه الآخر لحالة الفصام الذهنية هو الاهتمام بالحكم والسلطة الفعلية والرغبات المحمومة صوب الإفتاء في قضايا ومسائل ومشكلات النساء ، المشهد الذي يتطلب اهتماما واسعا من علماء النفس والاجتماع وتحليل الخطاب اللغوي للكشف عن هذا الهوس غير المسبوق في تاريخ الولاية الدينية للحديث عن شئون المرأة .
المثير للدهشة أيضا في ولاية الفقيه والمرشد أن الشرعية فقط صك لا يملكه سواهما وأن بقية السلطات واهية محض كذب وفتنة وضلال ، وهذا يجعل لهما مهاما غير محددة ولا تفاصيل لها بخلاف السلطة الرسمية للحاكم في النظام السياسي القائم ، وهذه السلطة المطلقة والمهام غير المحددة لولاية الفقيه والمرشد هي القوة الدافعة لكليهما في التخلي عن مزاعم الإصلاح والتوجيه وتوعية العقول وتهذيب النفوس التي كانت في مرحلة التأسيس لتتحول بعد ذلك إلى قوة غاشمة تستخدم كافة الوسائل غير المشروعة للوصول إلى سدة الحكم لاسيما في ظروف الفوضى وغياب الوعي الوطني العام تماما مثلما كان المشهد في مصر وقت انتفاضة يناير التي قادتها حفنة من الشباب المسيس غير المدرك لمقدرات بلاده وغير القادر على استشراف المستقبل ، فخول الأمر نهاية في ظل عدمية الثقافة السياسية لهؤلاء الشباب إلى جماعات الإسلام السياسي التي أظهرت فقر الخبرة السياسية في إدارة شئون البلاد بنفس الدرجة من الفقر المعرفي في تنوير المجتمع.
والمختلف بين الولايتين يتمثل في أن ولاية الفقيه تأبى استيراد نماذج معاصرة لنموذج الحكم ، فهي أكثر اجترارا لحكايا وذكريات الماضي مما يدفعها للقول دائما بالأخذ بفكرة الهجرة من ديار الكفر ( الدول العربية الإسلامية ) وأنها ولاية تفتقر إلى التنظيم المحكم واتخاذ تراتبية في القيادة فالفقيه هو الأول والآخر دون مشاركة ، أما في حالة ولاية المرشد فالتنظيم مظهر أصيل ومهم مما استدعى بعد ذك وجود كيانات سياسية حزبية يحق لها المشاركة السياسية الرسمية كما في حزب الحرية والعدالة الذي كان موجودا عقب الانتفاضة الشعبية في يناير 2011 بمصر .
هذه الإطلالة السريعة لولاية الفقيه وولاية المرشد كانت ضرورية لأنه لا يمكن فهم المشهد المصري الراهن ومحاولات الترويج للفوضى وإعلان العصيان في وجه النظام الحاكم إلا في ضوئها ، لأن ظهور تلك الولايتين مرتبط تمام الارتباط والوثوق بالفوضى ووجود حالات من الامتقاع بين بعض فئات الشعب ، كذلك عدم اهتمام الشباب بالحالة السياسية ، لذا فتفسير وتأويل إحداثيات الراهن السياسي المصري مرهون بإعادة إنتاج وظهور ولايتي الفقيه والمرشد من جديد ، رغم أن محاولة إعادة الإنتاج لا تشير إلى إعادة التفكير أو التجديد أو حتى الاجتهاد ، فولاية لا يهمها سوى التحليل والتحريم والتكفير والبحث في أدق شئون النساء والتنقيب في نصوص تراثية عن الختان والزواج والرضاعة والحيض وإمتاع الرجل فحسب ، وولاية قضيتها الرئيسة الوصول إلى الحكم في ظل وعي شديد بإقصاء وتهميش وعزل كل مخالف لفكر تلك الولاية ، وأعتقد أن الوعي الوطني المصري بات قويا لدرجة تقييم تلك الولايتين والحكم على مطامحهما غير المعلنة .
ـ أستاذ المناهج وطرائق تدريس اللغة العربية ( م )
ـ كلية التربية ـ جامعة المنيا.