منذ اسابيع طويلة ومزاد تشكيل الحكومة في تصاعد, صخب سياسي مقيت, مع الضخ الدائم للشعارات الوطنية للاستهلاك المحلي والضحك على الجماهير, وكذلك للاستمرار بدعم تسفيه وعي الجماهير, والذي يخدم استمرار سطوتهم على الحكم, أن ما يجري خلف الابواب المغلقة لا يمت بصلة لما يطرح علنا في الاعلام, فهو عملية تقسيم للكعكة, وعملية بيع وشراء للمناصب! لم توقفه الا تظاهرات ابناء الجنوب المنددين بحكم الاحزاب العفن, وتم اسكات تلك الجماهير الغاضبة عبر ابر تخدير محكمة, ليعود المزاد لفتح ابوابه من جديدة بهمة اكبر!
من خلال متابعة الحدث يمكن تقسيم ما يجري الى اربع محاور رئيسية ستتحكم بالنتيجة الحتمية التي لا تقبل التغيير:
المحور الاول: قوى سنية متوحدة ومنتظرة
الاحزاب السنية ادركت اللعبة جيدا، من انها يجب ان تكون جزء من اي حكومة تتشكل, لذا وحدوا صفوفهم وحسموا مطالبهم من الغنيمة -الحكومة الجديدة-, فالمناصب هي كل ما تطلبه جميع احزاب السلطة (الشيعية والسنية والكردية والمدنية)، وتوحيد كلمة احزاب وقوى اهل السنة اعطاهم موقف اقوى في التفاوض, بدل حالة التشرذم التي كانوا عليها في الحكومات الاولى، أن المتابع للشأن السياسي يجد ان القوى السنية منفتحة على طرفي المعادلة (ايران وامريكا), وهذا يدلل على خبرة وفهم عال في كيفية تحقيق المكاسب, من دون خلق عداء لا يجلب اي نفع.
وهم يدركون ان الاحزاب الشيعية يمكنها ان تتعاون مع أي مرشح يطرحه اهل السنة حتى لو كان من رحم البعث كالخنجر, فالمصالح تلغي المبادئ والثوابت, هكذا هي الطبقة السياسية في العراق غارقة بوحل المصالح, وهي ستنتظر ان يتفق احزاب الشيعة, وبعدها ينظمون اليهم بحسب شروطهم التي استلمتها احزاب الشيعة.
المحور الثاني: قوى كردية متفقة ومنتظرة
الاحزاب الكردية ايضا حسمت امرها, ووحدوا كلمتهم مما يعطيهم قوة في التفاوض, اما ما يطرح في الاعلام من وجود خلافات بين الاكراد, فهو للاستهلاك الاعلامي فقط, وهي محاولات المنافسين للتسقيط والتقليل من قوة الاكراد، والاكراد الان ينتظرون اعلان الكتلة الاكبر وتكليف رئيس وزراء لينظموا له.
الكرد في السياسة واقعيين جدا ويفهمون اللعبة جيدا، ويمكنهم التحالف مع أين كان! المهم ان مصالحهم تتحقق, وهذا درس سياسي قد اقتنع به وطبقه كل الساسة حاليا, فتغيب المبادئ عند حضور المصالح, كل حركة يقومون بها بحسب ما تدر عليهم، ومزاد المناصب الحكومية مفتوح لمن يعطيهم مكاسب اكثر، ويعلمون جيدا ان ثوابتهم لا يمسها شيء: اولا منصب الرئيس هو لهم من دون أي تنافس, وثانيا موضوع دفع رواتب موظفيهم والبيشمركة, وثالثا وزارة سيادية وليس اقل من اربع وزارات اخرى لهم.
المحور الثالث: احزاب شيعية متفرقة
انقسمت الاحزاب الشيعية لفريقين الاول فتح والقانون ولهم خط مفتوح مع النصر والحكمة وتضاف لها جماعة الوطنية بقيادة الرجل الشيعي علاوي، وفريق سائرون وله خط مفتوح مع النصر والحكمة و”الوطنية”, حيث يتضح تواجد فئة من الكيانات السياسية ( النصر والحكمة و”الوطنية”) متفقة مع الكل, فالمهم الحفاظ على مكاسبها, فهم مع من يفوز في ظل غياب المبدئية! ولهم خط مفتوح مع طرفي النزاع الشيعي, القطبين المختلفين لحد اليوم لأسباب شخصية وليس مهنية او سياسية, او في المنهج والهدف, فالمكاسب والتباغض بين رموز الحقبة الماضية المليئة بالفساد والفشل والهدر, هو ما يعطل تحديد شكل الحكومة القادمة.
الغريب أن تم تعطيل دور التحالف الوطني لحد الان، ذلك التحالف الذي كان يجمع القوى الشيعية، فهو الان شبه ميت, وتحول دوره برتوكولي مراسيمي فقط, فعندما ينتهي مزاد الحكومة سيجتمعون تحت عنوان التحالف الوطني، وهذا يمثل خسارة كبيرة للأحزاب الشيعية.
المحور الرابع: سوط الاسياد موجه للأحزاب
الحكومة ستتشكل من الاحزاب الشيعية والاكراد والسنة, الاكراد والسنة حسما موقفهما بتوحدهم منتطرين الساسة الشيعة يتفقون, فقط الاحزاب الشيعية مازالت مختلفة حول حصصها في الحكومة, والاختلاف يجب ان ينتهي لتتشكل حكومة محاصصة.
يجب الانتباه لتواجد القوى الاقليمية في صميم تشكيل الحكومة, وهي (امريكا، ايران، السعودية، تركيا) وهي من تملك سوط القهر والاجبار للطبقة السياسية، وعندما تكون لها ارادة في الانتهاء من المزاد العراقي فسوف ترفع السوط بوجه اصنام الساحة, فأما الاتفاق وخلال ساعات معدودة او عقوبة الاسياد، عندها تدور العجلة بسرعة ويجتمعون كلهم في حكومة محاصصة جديدة, اي اربع اعوام جديدة من الفساد والهدر والفوضى.
وهذا يدلل على الحظ الاسود للعراقيين بتواجد هكذا احزاب كارتونية! تحركها حبال الاسياد, فتصرخ وتزعق وتنبح حسب ما مرسوم لها.
النتيجة: حتمية تشكيل حكومة محاصصة جديدة
بعد كل هذه المزايدات عن تشكيل حكومة اغلبية, او اختيار الرئيس الحازم والقوي, او تكوين حكومة اصلاح، كل هذه الشعارات ستوضع في القمامة لاحقا، فهي لغرض المزايدة فقط, وسيعلن عن تشكيل حكومة وحدة وطنية من كل الاحزاب والاطياف ولن يكون هنا احدا في المعارضة ، لان الاحزاب التي تتفاوض قد ذاقت حلاوة المناصب, ومن العسير عليها التنازل عن نعمة السلطة مقابل موقف مبدئي يعبر عن صدق امام الشعب, فهي تفكر بمنطق يقول ما فائدة الصدق مع الشعب مقابل خسائر نعمة السلطة! اعتقد ان الانتخابات اصبحت غير نافعة, بقانونها الذي يوفر الفرصة لرموز الفساد بالتواجد الدائم باي حكومة, فالأصنام السياسية (قادة الاحزاب) كلهم باقون داخل الحكومة الجديدة، فما هي فوائد المشاركة؟ نعم فقط تغيرت احجامهم داخل الحكومة, لكن رموز الفساد باقون ليعيثوا فسادا لأربع سنوات جديدة.