بالإضافةِ الى وتعليقاً على ما تعرّضت له مقالتنا صبيحة هذا الأحد 18 \ 12 حول مبادرةٍ لمحاولة إنهاء الحرب الروسيّة – الأوكرانية , آثرَ هنري كيسنجر أنْ ينشر نقاطها وفقراتها في الإعلام من دونِ عرضها على الأطراف ذات العلاقة ” لحدّ الآن ” ولتكون تفاصيلها مكشوفةً أمام الرأي العام , وربما لإضفاء اضواء الدعاية المركّزة حولها .
الفقرة الأكثر الفاتاً للنظروتدعو للتمعّن في المبادرة الكيسنجرية هي : < إجراء استفتاء في الأقاليم الخمسة التي ضمّتها روسيا , وبإشرافٍ من الأمم المتحدة من اجل حقّ تقرير المصير > , حيث صيغت هذه الفقرة استناداً الى : أنّ روسيا سبق لها واجرت استفتاءاً لإنضمام هذه المناطق اليها , وأنّ غالبية القاطنين في هذه الأقاليم هم من جذور روسيّة , ويراد بذلك إعطاء شرعية الأمم المتحدة لهذا لضّم , كي لا يستطيع أحدٌ ما من فتحِ فمِه .! , وهذه الفقرة هي لصالح موسكو , ويصعب الإفتراض أنّ يواجه الإستفتاء الدولي عدم رغبة مواطني هذه الأقاليم للإنضمام الى المعسكر الروسي .
نلاحظ هنا ايضاً أنّ الرئيس الأوكراني زيلينسكي لا يستطيع ان يرفض ولا يؤيد هذه المبادرة او هذه النقطة تحديداً , والأعمّ الأغلب انه ممنوعٌ عليه < من الأمريكان > التعليق او التطرّق بشأن عموم هذه المبادرة , وهو الآن مُستلقٍ في قلب الزاوية الحرجة .
الفقرة الأخرى التي تبدو وكأنَّ في طيّاتها اكثر من مسحةٍ من الإبهام ذي الأبعاد , فتشير الى حريّة اوكرانيا في عقد ايّ معاهدةٍ او اتفاق < وكأنّ فيها ايماءة الى الأنضمام الى حلف الناتو .! > وذلك ما كان سبباً ستراتيجياً لإندلاع هذه الحرب , وقد يغدو ذلك محاولة لجبر خواطر الأوكرانيين .
ايضاً , لوحظَ عدم صدور ايّ تعليقٍ من واشنطن , لندن , وباريس حول تفاصيل هذه المبادرة الى غاية الآن , وربما كانوا على علمٍ مسبقٍ بها .!
وفي الحقيقة فالتفاصيل المنشورة بهذا الشأن هي في حالةٍ اقرب الى ” التخمّر ” والى مزيد من التفاعلات , وتتطلّب بالدرجة الأولى ايجاد ” إخراج ” محدد لمحاولة الشروع بها , وسيّما مع مباحثاتٍ مكثّفة مع القيادة الأوكرانيّة .
إنَّ ما دفعَ السيد كيسنجر لطرحه هذا وفي هذا التوقيت بالذات , لابدّ ان يكون استشعاره من حالة التذبذب والضيق الأقتصادي التي تعاني منه دول اوربا جرّاء ما بلغته اوضاع الطاقة والغاز بجانب ارتفاع اسعار النفط , بسبب العقوبات على روسيا , وخصوصاً أنّ دول الغرب فقدت الكثير من خزين اسلحتها المرسلة الى الأوكرانيين , وقد اعربَ كيسنجر عن خشيته من اتساع نطاق الحرب والإنجرار الى حرب عالمية ثالثة .
الوقت ما برحَ مبكّراً لتؤدي او لتأخذ هذه المبادرة مفعولها , وقد يتطلّب الأمر استحداث متغيراتٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ ما , لتهيئة الأجواء العملية والنفسية لإستقبال مضامين بنودها .