اليوم حلّ علينا ضيوف أعزاء ، وتناولنا الغداء معا وكنت قد ذهبت للسوق لأشتري بعض مستلزمات الوليمة .. خبز عراقي ورقي ، وخضروات .. والذي ادهشني أن الرجل الذي يعمل في السوبر ماركت عندما سألته عن صحة اختياري ” للرقية ” .. أخذها بيده كطفل وربت عليها ” مطبطبا ” واشار علي بكلمة ..” نوت باد” ولكنه أرجع رقيتي الى مكانها وأخذ ” يطبطب ” على الرقيات حتى وجد ضالته .. سلمني الرقية وقال ” ات از ، بتر آند سويت ” .. استغربتُ من التشابه في طريقة فحص الرقي بين شعوب المعمورة والتي تعيش بأستراليا بسلام وآمان وديمقراطية وحقوق إنسان ، ورفاهية ، وفعلا طلعت الرقية غاية في الطراوة والحلاوة
تذكرت نحن “العراقيون” كشعب لجوج ومتغير القناعات ” واهل الفتن ” ومثيرو الشغب .. كنّا لا نقتنع بصياح الباعة عن بضاعتهم ” الرقي ” بأنها حمراء وعسل ، وقد سمعت يوما وأنا في سوق شعبي في محافظة الحلة ” بابل ” أيام حرب الموت العراقية- الايرانية” من بائع حليّ يصرخ ” رقي رقي مال أوادم”!! ”
العراقي لم يقتنع ابدا أن لم تكن ” الرقية ” شرط السكين -ومنعا للإلتباس المفهومي القومي ّ!!- نقول بلسان عراقي مبين ” شرط السكين ” تعني: إن البائع يفتح الرقية من خاصرتها ليرسم مثلثا في جسدها وبحركة مسرحية يقوم بخلعه ليخرج ” شيفا ” معافى ، ليري الجمهور مصداقيته بكون الرقية حمراء وإمعانا في الثقة ” بالرقي ” يطلب من الزبون أن يتذوقها كي يتأكد من كمال أوصافها ” رقي أحمر وعسل ” .
وعندما تتم عملية البيع بسلام، يصرخ البائع : ” خل ياكلون ……..”
………………………………
في موسم الانتخابات البرلمانية العراقية ، بل في سوقها السيء الصيت ، رأيت عجبا حقا ، اعلانات لمرشحين أشبه بالفضائح وهي تمشي على رجلين ، اعلانات مستهترة ، غبية ، فاقدة لمشروعيتها القانونية ، متجاوزة على حقوق الناخب ، متشفية ببعضها ، متنكرة بالعتمة .
فهذا ” أسد الله الغالب” ، وذاك : “حامي ثروة العراق ” وأخرى ” مدججة بالسواد ، وثانية زوجها الحاج أو فلان ، بلا صورة ولا نبذة تعريفية ، سوى انها أما علوية ، او متزوجة من سيد أو حاج أو شيخ …!
هناك خلل وفحش سافر في شراء المواطنين واصواتهم .. يبدأ من شراء البطاقة الانتخابية الالكترونية لتعطيل المشاركة أو لكسب اصوات ، وليس إنتهاءً بمغازلة الصوت العراقي بأرخص الاثمان وأخسها ..
فالنائب ذو الاصابع الممهورة بالخواتم الفضية ، يولم للجياع ولائم الذل والخنوع ، وذاك يُقسم أن النبي محمد قد دعاه الى الترشيح !
وآخرى لا مواهب لها سوى صورة مغرية لشبق الجائع اليها .
سوق بين باعة متمرسين على الدهاء وجمهور ” مخدر ” مغلوب على أمره ، جبان ، متواطيء ، مشارك، مبشر بالشياطين
ولكن مصيبة العراقي ترك بوصلة المعرفة فلا هو
مطبطب” ولا هو يبحث عن ” شرط السكين “
وهذا ما زادهم عنجيهة واستهزاء حتى وصل سعر الصوت العراقي الى ” دجاجة مشوية ” !!!.
……………………..
في زحمة هذا اللغط وسوق الصفافير ، سنجد السمين والطيب والشريف والحقيقي ، والنزيه ، والوطني العراقي ، والمتنور ، والتكنوقراط ، الذين هم الذين يضعون اليد على الجرح وبيدهم المشرط والعلاج ، كفاءات وطنية عراقية متحزبة ومستقلة ، ديمقراطية حقا وتؤمن بالانسان العراقي وحقوقه ، نخب تستطيع الاطمئنان لها ، سنجد صوت العراق الخافت في ضوضاء باعة الضمير والشرف والوطن ..
أصوات لا َتعد بالجنة ، بل تذهب الى التذكير بالمستقبل كجرس إنذار لما يحلّ في العراق من كوارث ..
هذه الاصوات وأن خلت من ” ذات اليد ، ويسر السحت الحرام ” ، فإنها قادرة على فعل ما يجب أن يكون .. لان العراق لديه كل مقومات النهوض المدني بثروته الهائلة ، بعقول نخبه ، بطاقات المخلصين لمستقبل عراقي يليق بنا جميعا .
هؤلاء ضمانة المستقبل وصمام آمان العراق ، هم الذين لابد من منحهم فرصة وطنية لبناء العراق بعدما كشف النواب ” عفنهم ” وعدم صلاحياتهم ” لدورة قادمة لرسم مستقبل العراق ..
……………….