المفهوم العام للترويج هو إقناع الاخر بالجودة أو الطرافة، أما التكرار أو الإبهام فهو طارد لعنصر التشويق الضروري للجذب. هذا المفهوم موجود منذ أن بدأ الانسان يفكر بالملكية والربح والتجارة، فهو قضية فطرية لاتحتاج الى فلسفة. ولكنها غير مفهومة للكيانات السياسية المشاركة بانتخابات مجالس المحافظات، فلم نلاحظ كياناً سياسياً أو مرشحاً فصّل برنامجه وخطة عمله ليستطيع كسب الناخبين لصالحه. ربما لم ينتبهوا لأهمية البرنامج الانتخابي، أو لأنهم حديثو عهد، أو أنهم لم يروا ضرورة له، فمشاكل البلاد والعباد معروفة لاتحتاج إلى نشر على الملأ، وهكذا سيكتفون بإعلاناتهم التي تملأ الأزقة والشوارع، أما النتيجة، فتترك للمقادير.
أتابع الحملات الانتخابية في لبنان، حيث يندلع سباق محموم لبسط الأفكار والمفاهيم، والتأكيد على المواقف وإبراز الأخطاء السابقة ووضع الحلول الصحيحة. وكذلك هي مناسبة لكشف شخصياتهم وثقافتهم. وخلال مدة الحملات الدعائية يسلط ضوء كافٍ على أوضاع البلد وهمومه واحتياجات مواطنيه. ومؤخراً، شهدت مصر حالة مماثلة أثناء انتخابات الرئاسة، وبرّز كل مرشح نظرته لأوضاع البلاد ودخل في التفاصيل الصغيرة جداً. وفي دول العالم متينة الديمقراطية تجد أن النقاش يدور حول أبرز معلم في البرنامج الانتخابي للمرشح، حيث يمثل «ثيمة» تفرض نفسها في أحاديث المقاهي والبيوت. البرنامج الانتخابي حالة صحيحة لفهم مدى جدية الناخب ومصداقية مؤهلاته وقوة فعله.
في انتخاباتنا الحالية تفتقد القوائم لبرنامج واضح، كلها تتفق على توفير: الكهرباء، والصرف الصحي، وخلق فرص عمل. الذي شغل المنصب طوال المدة الماضية سيتذرع بالمؤامرات ويعد بغد أفضل، الخاسر في السابق سيدور برنامجه حول كيل التهم وربما الشتائم، أما حديث التجرية فسيلتزم الصمت مكتفياً بصورة بريئة، تدل على نظافة الكف على الأقل. لاتوجد ثقافة انتخابية واضحة، الشعارات الفضفاضة فقط، بالإضافة الى صور الزعماء الكبار لدعم المرشحين الصغار. اظن أن طريق المرشحين لن يكون معبداً بالعزيمة، وإن كان معبداً بالوعود الانفجارية، البرامج ليست وعوداً في حقيقة الأمر، إنها خطة عمل واضحة وضرورية، بل هي عقد يبرم بين الناخب والمرشح يحاسَب المنتصر على أساسه.