23 ديسمبر، 2024 8:59 ص

“مرسي مرسي”.. والأيّام بتجري .. يا شهر الصيام .. !

“مرسي مرسي”.. والأيّام بتجري .. يا شهر الصيام .. !

مسكين الرئيس المصري “السابق” محمّد مرسي .. والمسكنة أحد أنواع المذلّة متأتّية من موقف أو مواقف حرجة وهي بعمومها مشاعر إنسانيّة مشتركة بيننا جميعاً نحن معشر البشر أبعدنا الله وإيّاكم عزيزي القارئ الوقوع فيها حتّى وإن كان عدوّاً .. فإن كان صاحبها “محمّد مرسي” مذنب فعلاً ويستحقّ ماحلّ به والحالة المأساويّة الّتي وصل إليها فالذنب ليس ذنبه وحده فقط فالجميع مشتركون لما وصل إليه علاوةً على النشأة الشخصيّة ومحيطها الغير مكتملان الشروط  لأن تهيّئه قائداً زائداً “التلقين” المنقوص .. أمّا أن يكون من وقع في المحظور الّذي لا يسرّ لا عدوّاً ولا صديق لا يستحقّ الوقوع فيه فسيكون حتماً مستقطباً للمشاعر الإيجابيّة من قبل الجميع بل ربّما سيدخل عالم “المظلوميّة” الواسع ..
ربّما يكون , وهو ما أظنّه , يحمل محمود مرسي نيّات حقيقيّة في الحكم العادل يكنّها لمصر وملبّياً لرغبات الجماهير وفي باله أن يكون رئيساً كفؤاً لتاريخ مصر العظيم سيشار إليه بالبنان يوماً من قبل هذا التاريخ الحافل بأعظم المنجزات الإنسانيّة بما لا يستحقّ معها ما جرى له اليوم “وعسى أن لا تكون نيّاته إضافة تاريخيّة لسجّل الإخوان ليس إلاّ” ومع مرور أوّل عام له من حكمه من “إهانة” وجّهها له الإعلام المصري وخصومه من المعارضة علاوة على رئاسة أركان الجيش المصري والكثير من الجماهير المصريّة الّتي خرجت للإطاحة به .. لكنّ أحلام مرسي أو غيره ممّن هم بعيدون جدّاً عن رئاسة البلد بسبب أوضاعهم الشخصيّة “المتديّنة” إلاّ وفق ظروف كالّتي أطاحت بمبارك ؛ شيء , وواقع “الحجم” الّذي هو أكبر من حجومهم ومن حجم مرسي شيئاً آخر .. فمنصب رئاسة بلد خاصّةً بحجم مصر له متطلّبات في الشخصيّة الشاغلة له مع الأسف لا يمتّع بها من مثل السيّد مرسي بخليطه الكارزي ما بين الطيبة وما بين التديّن الّذي بطبيعته وبعد 1400 سنة سيصبح بلا أدنى شكّ مليء بالمتناقضات ممّا سيجعلها طيبة بلهاء مضرّة تحوّل “ناقلها الحركي” إلى معطّل للمجتمع ومحطّماً له .. حتّى أنّني وصفته متندّر وهو لا زال في أوّل أيّام حكمه ما أن ظهر على شاشة التلفاز :ــ يصلح ممكن “يلزم هدوم !” إشارة منّي لكلّ من لا يشاركنا “السباحة” أو لعب الكرة عندما كنّا صبية نأتمنه على “ملابسنا وساعاتنا” وما لدينا من “فلوس” لحين ما ننتهي من اللهو واللعب ! مع اعتذاري لمرسي بمكانته العلميّة المرموقة لا السياسيّة ..
يدفعني ما حدث كما يدفع غيري إلى استعراض ما مضى وما لم يمض بعد وإلى تأمّل الكيفيّة الّتي أطاحت بمرسي وهي من الناحية الدستوريّة أو القانونيّة تحمل الشكوك رغم أنّ الكثير منّا كان يتمنّى إزاحة حكم الاخوان من مصر أو غيرها بأيّ ثمن ربّما الطريقة الّتي تمّت بها الإزاحة هي الثمن ! وهذا التمنّي بإزاحة الاخوان لم يتأتّ من “حسّاسيّة” لا معنى لها , بل لأنّ ظهور الاخوان وغيرهم من أحزاب دينيّة بمن فيهم “حزب الله” جاء على خلفيّة لها مصلحة بتعميم نمط “التديّن” على جميع البلدان العربيّة كي يتطبّع المناخ السياسي العام في منطقتنا وفق الطابع الديني الّذي دفع لإنشاء “إسرائيل” وحشدت لها عبر “المظلوميّة” أو “أرض الميعاد” من جميع أنحاء العالم وليكون “التفاهم” قريباً ما بين هذا الكيان وبين حكومات “تتفهّم” نشأة هذا الكيان وإن رفضته لكنّ يبقى “الوصل” مشترك ! ..
كان على السيّد الدكتور مرسي أنّ يحسب أنّ الخطأ المرتكب سيكبر حجمه كثيراً في أعين الناس طالما يصدر من متديّن بالإسلام .. وهنا تكمن الخطورة العظيمة على عقيدة الإسلام وهي أن يتبنّى البعض التديّن بالإسلام بينما سلوكه عكس ما يدّعي ومن هذه النقطة وجب أن لا يسيّس الدين كي يبقى واجبه فقط لحثّ الناس على الخلق الحسن .. بينما يكون خطأ من لا يدّعي التديّن لا أهمّية له كثيراً في أعين الناس ..
أنا متيقّن فيما  “لو” أباح لنا الرئيس مرسي ما في مكنونه للجميع لتفاجأنا بكلّ ما هو مستغرب ومثير منذ ساعة وصوله “القصر” بعد بضعة تجارب من الحكم ولقال “كم كنت أتمنّى لو أفسخ عقدي مع الاخوان لأتخلّص من “إملاءاتهم” واستشاراتهم ولألفظ جميع من حولي من متديّنون “ومرشدهم” أحلق لحيتي وأنهج خطوات عبد الناصر وأحيط نفسي بمن تبقّى من مستشاريه أو بمستشاري السادات أو مبارك لأؤمّن على مستقبلي السياسي ورئاسة الحكم سنوات” .. ليس مرسي وحده من سينطق الحقيقة السيّد المالكي يتمنّى ذلك أيضاً ! .. فكرسيّ الرئاسة يستأهل التضحية بأعزّ ما يملكون خاصّة لمن ذاق طعم “الجوقة الرئاسيّة” تحفّ بهم وعلم يرفرف فوق الرؤوس ومن الأمام وعن اليمين ومراسيم تشريفات وأناشيد وطنيّة و “بروتوكولات” ووفود تترا يفدون من صفوة طلائع المجتمع وبرقيّات تهاني وإطلاقات 21 إطلاقة مدفع ومواكب عريضة طويلة وحمايات وأسيجة وأنطق أمنيّة من خيرة النخب القتاليّة والأمنيّة وموائد أطعمة بروتوكوليّة تعجّ بأندر المأكولات وبعدد بلدان العالم وطيران خاصّ واستقبال فخم وسجّاد أحمر وعدسات تصوير ولقاءات فضائيّة ومؤتمرات صحفيّة وأضواء ومشاهير ورواتب تحوّل مباشرة لأهمّ البنوك والمصارف ومؤسّسات المشاريع وكلّ ما يتمنّاه مرضى النفوس ومن يستشعر النقص في كيانه يشمّه شمّاً من فاقدي الوجاهة الاجتماعيّة والجاه .. لذا فالسيّد المالكي مثلاً على استعداد لأن يعلن انتمائه لحزب البعث لو تطلّب ذلك استمراره في الحكم بل ولتخلّا عن الدين ذاته لو خيّر في الأمر ! يا حسين يا دين يا ألله يا  قيامة .. إنّها الرئاسة والملك والجاه والخلود التاريخي “يا ولدي” .. إنّك تأمر فتطاع بطول البلاد وعرضها .. أي حسين أي حرّ بن رياح الأريحي أي شمر أي محمّد أيّ إسلام أيّ مختار أيّ ولاية وأيّ فقيه ! شنو .. أنتو نايمين ؟ ! .. ربّما الان يتفهّم السيّد المالكي لمعاوية ويعذره “دسّه السمّ للحسن” ! ..
روي أنّ “كيلوباترا” بينما كانت تطلّ من نافذة غرفتها المشرفة على حديقة القصر سمعت “بالصدفة” حديثاً يدور بين “ثلاثة” من “النواطير” جالسون تحت شجرة في حديقة القصر وكان الحديث عبارة عن أمنية لكلّ واحد منهم يتمنّاها يطرحها لزملائه دون أن يشعروا بوجود الملكة .. فبين “نقود لا حصر لها” و “مساحات شاسعة من العقارات والبساتين” وغيرها هي حدود الحديث  تمنّى أحدهم أن يكون ملكاً على البلاد ولو ليوم واحد ! .. هنا اضطربت الملكة فقرّرت إحضارهم أمامها .. ولمّا استُحضروا بين يديها أعطت للمتمنّين ما تيسّر بما فيهم من تمنّى المُلك! ولكن بشرط المكوث يوماً كاملاّ جالساً على كرسيّ الحكم دون حراك وإلاّ فالسيف المسلّط على رقبته بانتظاره لأدنى حركة! هكذا كان شرط كيلوباترا وفي حالة النجاح سيكون ملكاً ويتزوّجها ! .. ارتعشت أوصال صاحبنا وهو يرتقي العرش جلس مرتجفاً تصطكّ أسنانه متسمّراً على العرش ودرجة حرارته هبطت إلى 40 تحت الصفر ! .. وبينما الوقت يمضي بصعوبة شديدة على “الطرفين” استمرّ الحال وكأنّ صاحبنا جالس على قرن الشيطان لا يجرأ النظر للأعلى كي لا يرى السيف لا يدري كيف يتخلّص من “البلوة” المسلّطة فوق رأسه .. انتهى الوقت دون أن يستطيع فعل شيء ! فأنزله الحرس بقيادة “السيسي” من عرش مصر! هنا بادرته الملكة قائلةً ؛ كنت ستكون ملكاً حقيقيّاً لو تدبّرت أمرك .. قال لها  كيف !؟ أجابته فقط لو أمرت من حولك بإنزال السيف فسيطيعك الجميع لأنّك كنت لا زلت ملكاً ساعتها تأمر فتطاع ! ..
خرج منكسراً مرسي .. منظره “يكسر الخاطر” مثلما يقال  .. وحالة مثل هذه حالة بشريّة عامّة جميعنا معرّضون لها وإن بدرجات متفاوتة .. محمّد مرسي الرئيس والإنسان كان ينقصه قبل فوزه بكرسيّ الحكم التعوّد على صناعة “الشموخ” في هيأته والأنفة وقساوة القلب يتمرّن على سلوكها منذ الانتماء الأوّل “للعمق” الإسلامي وذلك لا يأتي سوى بالفهم العميق لما يعتقد بما يعتبر نفسه حاملاً لوائه حتّى ولو اضطرّ يقنع نفسه بذلك إن لم يستطع استيعاب مبرّرات ظهور الإسلام .. شخصيّة بمواصفات تستطيع الثبات أمام مبعوثو الدول الغربيّون ككلنتون مثلاً لا شخصيّة تغلب عليها “الاجتماعيّة” والتجاوب السريع والانبهار المصحوب بالخجل والضحك والكركرة أمام مشاركة في قتل أحد رؤساء العرب ومطلوبة للمحاكمة والتحقيق دوليّاً في ذلك .. ألم تشاهد “فلم الرسالة” يا حضرة الرئيس مرسي  وكيف قرأ الراحل “العقّاد” بحنكة الهيأة الواجب أن يكون عليها مبعوث يحمل عمق فكري عظيم كالإسلام يعرضه على عظيم الروم ! ألم تقلّب يا سيادة مرسي الكيفيّة من الثبات الوثّاب لدحية بن خليفة الكلبيّ اقتحامه بشجاعة وسط الحضور وسط ديوان هرقل ! .. كان يجب أن يدرك “مثقّف” دكتور كمرسي الهيأة الإسلاميّة الواجب تقمّصها في مواجهة خصوم عنيدون فشخصيّة المسلم ملفتة للنظر أينما حلّت بطبيعة عمق الفكر الّذي تحمله شخصيّة تفرض نفسها على الآخر وقويّة لا إكسسوارات “سبحة وعرقجين وطمغة جبين” تعتليها ولا تتخفّى خلفها شخصيّة مهزوزة أو موتورة فاقدة للموضوعيّة “تبشّ” في الوجه بمناسبة وبدونها تمرق بعينيها هنا وهناك لا هيبة ولا اعتداد بالذات وهي السمة الغالبة لمتديّني اليوم .. وبالمناسبة ..