مرت عملية تحرير محافطة نينوى بمراحل إيجابية مهمة ، واستطاعت القوات الأمنية الى جانب الحشد الشعبي من فرض سيطرته على كامل الجانب الأيسر للمدينة ، وفِي نفس الاتجاه خلفت معركة التحرير صراعاً سياسياً لافتاً ، فمنهم من ركب موجة الانتصارات اليومية المتحققة ، ليستفيد من هذه الانتصارات سياسياً ، ومنهم من كان ضد هذه العملية ، وعبر عن صوت داعش سياسياً ، ولكن بقي صوت البندقية هو الحاكم على الارض ، وظلت المواقف العسكرية اليومية لتقدم قطاعات الجيش العراقي هي الحاكمة ، وهي صاحبة الموقف في حسم المعركة .
الان ومع اقتراب عملية تحرير الموصل من نهايتها يكثر الحديث عن مرحلة ما بعد داعش ، ومع التسريبات التي تتحدث عن التخوف الامريكي لمرحلة ما بعد داعش ، والظرف السياسي الراهن الذي تعيشه البلاد ، سواءً في الجانب الحكومي أو الصراعات السياسية بين المكونات ، الامر الذي يجعل الأوضاع عموماً يسودها القلق والتخوف من المستقبل ، خصوصاً وان جميع القوى السياسية تستعد لمرحلة مابعد داعش ، عبر تحالفات جديدة ، ومحاولة رسم ملامح واقع سياسي جديد ، يبرز فيه دعوات من هنا أو هناك لإنشاء الأقاليم على أسس مذهبية ، الى جانب دعوات كردية الى الاستقلال ، كما ان تعدد المكونات في الموصل عقد المشهد اكثر ، وجعله يدخل مرحلة التخوف لما بعد تحرير المدينة ، وان الأمور مابعد داعش لن تكون اقل خطورة من تنظيم داعش نفسه ، وان هناك داعش آخر سيظهر متمثلاً بتحديات جديدة ، وستكون اخطر وأعقد من تنظيم داعش .
ما يعقد البوصلة السياسية في البلاد ، هو بقاء المناطق التي دخلتها البيشمركة تحت سلطة أقليم كردستان ، عقب دخول داعش الى المناطق السنية في الموصل ، وان مصير تلك المناطق يثير تعقيدات كثيرة وكبيرة ، كما ان اشكالية ” التمثيل السني ” ، والصراعات والازمات التي رافقت المناطق السنية ، وحالة الفوضى التي سادت تلك المناطق جعلتها تبدوا ارض خصبة لاحتلال داعش لها وسقوط ثلث البلاد ، وهنا لابد من طرح التساؤل والذي يشغل بال المحلليين السياسيين ، وهو في حال فشل المبادرات والمساعي في لملمة الموقف السني تجاه القضايا المهمة والحساسة في البلاد ، ومحاولة كسب موقف السنة لصالح الدولة في حربها ضد داعش . كيف ستكون المناطق السنية بعد داعش ؟!
حتى لو سلمنا ان هناك مشروعاً سنياً يتمثل بالإقليم ، فان اهم العراقيل تتمثل بالتنافس بين القوى السنية نفسها ، كما ان طبيعة تلك الأقاليم فيها ضبابية ، وغير واضحة المعالم ، وان التنافس والصراع (السني -السني ) كلن عاملاً مهماً في الفشل ، وان وجود طرف سني قوي قادر على المشاركة في تحديد مستقبل البلاد ما بعد داعش يمثل حلقة مهمة في حسم الملف . في المقابل الأطراف الشيعية الاخرى ، والحاكمة لا تملك اجابات على هذه التساؤلات ، مع الخلافات المزمنة ما بين المكون السياسي (السني -الشيعي ) حول الأقاليم ، ومصير المؤسسة العسكرية ، ومستقبل الحشد الشعبي ، وقانون الحرس الوطني ، كل هذه الأسباب وأسباب اخرى جعلت المواقف تتذبذب بينهما ، وتتقاطع في بعض المواقف وتقف حائلاً امام أي حسم ، ومع هذا التراكم نتيجة الخلافات بين القوى السياسية ما بعد ٢٠٠٣ ، وعدم حسم كل من التحديين (الأمني والسياسي ) ، يضع البلاد امام احدي الانزلاق في هاوية الصراعات السياسية والمذهبية ، خصوصاً مع بروز التحدي الاقوى الا وهو التحدي الاقتصادي ، وارتفاع تكاليف الحرب ، والذي يجعل جميع الخيارات مفتوحة لما بعد التحرير .
خلاصة القول اعتقد وكما يراه الكثير من المحلليين ان داعش ليس هو النهاية ووضع العراق الذي يواجه هذه المرة عوامل الاقتصاد والامن والسياسة ، وهي الأكثر قساوة ، يتوقع ان تكون أياما صعبة أمامه ، وضرورة الإقرار بان خيار تقسيم العراق (سنة وشيعة واكراد) هو الارجح قوة على غيره، مما يعني بداية لطريق يبدو معقدا ايضا ، لا يتوقف عند قصة الحدود الفاصلة بين ” الأقاليم الثلاث” ولا ينتهي عند التنافس او الصراع داخل كل واحد من المكونات الرئيسية.