27 ديسمبر، 2024 2:59 ص

مرحلة مابعد الدين في العراق

مرحلة مابعد الدين في العراق

الجمیع یعلم بان المراحل الفلسفية في تاريخ البشرية سارت وفق متغيرات الظروف العامة من حيث مستوى العقلية العامة و عصارة الفكر الجمعي للانسان مع تغيرات الظروف الاجتماعية و الاقتصادية و افرازات التغييرات المتلاحقة على العقل العام و من ثم تغيير العقلية سواء من الفرد المحتمع كليا لتحول الى المجتمع او من المجتمع المتاثر بالتغيير و من صم تحسد في عقلية الفرد الذي بدوره اثر على الرؤى و العقلية العامة مما غيرت من خلالها الفلسفة المعتمدة نسبيا لدى المجتمع . اي انه هناك تاثيرات متبادلة بين المتغيرات العقلية و التوجهات و الافكار مع الفلسفة السائدة و المتغيرة دوما بحيث تبرز هنا معادلة متداخلة او علاقة جدلية بين هذه الاطراف و العوامل التي تؤدي الى التغييرات في طرفي المعادلة، الفلسفة المنبقة من المتغيرات مع العقلية العامة و التوجه الفكري العام . و هناك عوامل متعددة لتحديد طول المرحلة سواء كانت تطورات علمية او علاقات متبادلة بين بقاع العالم و تبادل الفكر العلمي و نتاجات العلم و المؤثر بدوره على العقلية و الفكر العام و من ثم على الحياة بشكل عام. و هناك مراحل تحدث فيها طفرات كبيرة نحو الامام كانت ام الى الخلف مما تؤدي الى البقائ في احيان اخرى في المرحلة المعينة لمدة طويلة او التراوح و البقاء على المستوى ذاته منةكافة النواحي لمدة طويلة دون تغييرات محسوسة.
ان كان هذا بشكل عام ووفق المادية التاريخة في كافة بقاع العالم و المجتمع المتماسك المستقر لمابعد الخطوة الاولى للسكن و الاستقرار و بناء القرية و المدينة و ايجاد وسائل النقل و من ثم التاثير المتبادل سلبا كان ام ايجابا على البعض. ستكون طول مدة المراحل مختلف من مكان لاخر و من مجتمع لاخر .
لو اخذنا المجتمع العراقي و دققنا في تاريخه العريق و الشعوب المتلاحقة التي عاشت على ارضه منذ العهد السومري لهذه الساعة فاننا نجد اختلافات كبيرة بين المستوى المعيشي لهذا المجتمع مقارنة مع الشعوب و الحضارات الاخرى ايضا الا انه من الحق القول بان هذه المنطقة قد شاهدت طفرات كبيرة في المراحل التاريخية الغابرة ماقبل او ابان حضارة وادي الرافدين نتيجة لتاثير جغرافيته المثالية المساعدة على التفكير العميق و التامل و بدوره التاثير على كيفية المعيشة و الالتعمق في ثنايا حياة للمجتمع .
بشكل مختصر و مقتضب، يمكننا القول بان المرحلة التاريخة االغابرة جدا، كانت المسيرة الانسانية طبيعية رغم ما تخللتها مراحل قصيرة يمكن القول بانها كانت راكدة من حيث التقدم العقلاني و التسلسل الحضاري و التنقل من المرحلة الخرافية الاسطورية المرئية و المحكية او مرحلة اتساع التخيل و التصور و تغيير النظرات الى المواضيع الفلسفية دون معرفة الفلسفة كعلم لحين وصولنا الى ماقبل الفتوحات الاسلامية لهذه البقعة، وكانت هناك مراحل شهدت تقدما ملحوظا مقارنة مع المناطف الاخرى في العالم . و لكن مابعد الفتوحات الاسلامة واجهت حدو ث شروخ واسعة بين التامل العقلاني والواقع الموجود مما ترسخت المتوارثات النقلية و سيطرة الاتكال على الخيال و الفكر السهل مستندا على النقل بعيدا عن العقل، فان المرحلة شهدت تراوحا على الفكر و التوجه و الاعتقاد الواحد مكانا و زمانا.
و ما يهمنا هنا ان نقوله، ان مابعد سيطرة الاديان و بالاخص الدين الاسلامي اصبحت حال المجتمع عالقا في الوهم و في مابعد الطبيعة. و لم تتغيرىطوال القرون الطويلة الا بشكل لا يمكن ان ندعي بانه كان تقدما فعليا، اي مرحلة مابعد الدين كمرجلة متقدمة عن مرحلة الخرافة و الاسطورة و الملاحم و العبادت الكثيرة التي كانت تعتبر مرحلة متقدمة عليهم الا انها امتدت كثيرا و لم تدع مجالا لتجاوزها في الفترة التي كانت من المفروض ان تتجاوزها العقلية الانسانية في هذه المنطقة، و هذا نتيجة الكسل و الشروط القاسية و ما فرضته الثوابت الديينة التي وضعت العواقب امام التقدم او الانتقال من المرحلة الدينية الى اخرى يمكن تجاوزها في مدة معينة، اي طالت مدة المرحلة الدينية كثيرا نتيجة فرض الامور بالقوة دون اعتبار للانسان و خصوصيته لحد هذه الساعة تقريبا.
اليوم و في هذه المرحلة اقصيرة جدا مقارنة مع طول المراحل المتلاحقة للتغييرات وبالاخص العقلية العامة و التوجهات و النظرات و الفلسفات التي برزت نتيجة بروز عوامل انبثاقها و انتشارها و ازالة ما قبلها بعد اثبات تخلف تلك العقائد و الافكار البالية التي سبقتها .
العراق في هذه المرحلة يشهد تنقلا كبيرا و واضحا في عصارة الفكر العام للعقلية العامة نسبيا او بالاخرى نخبويا و هذه نتيجة طبيعية لسيطرة الطقوس الدينية بحرية و تلامسها عمليا مع العقل و الفكر العام و احتكاكها المباشر مع المعيشة مما فسح المجال للعقل ان يميز بين الاصح و ما جلبته العاطفة نتيجة الظروف و المحن السابقة للسبطلت الدكتاتورية المعيقة للتفكير السليم و نضج ثمرة الحرية في التامل و التنقل و تفسير لكل ما يمس بالدين او ماقبل المرحلة الدينية و مقارنة المراحل وكيفية ازاحة الموجود من المرحلة بما اوتي من جديد نتيجة العقلية الاكثر تقدما من الموجود في تلك المرحلة التي اصبحت مبتذلة.
اليوم و بشكل عام, تفكر نسبة معقولة من الشعب العراقي المتطور في امور الدين بعقلية محايدة غير متاثرة بعاطفته جراء ما اثر عليه الكبت و الظلم و الاستبداد سابقا، بعدما تلامس عمليا ماهو الدين و كيف وصل اليه و طقوسه و ممثليه و من يؤمن به و له اليد الطولى في فرضه، اي مقارنة مع طول تغيير المراحل التاريخية فاننا امام جانب ايجابي في التغييرات الملموسة للعقلية العراقية لنسبة معتبرة من الناس اي يمكننا القول باننا قد انتقلنا الى الخطوة الاولى لمرحلة مابعد الدين و افرزاته، وذلك نرى ردود افعال مبالغة فيها ايضا من حيث الالحاد و الوقوف ضد التيار بشكل كبير و بقوة مفرطة و باساليب لا يمكن ان تكون لها تاثيرات ايجابية كبيرة على التنقل السلس و الوصول الى مرحلة مابعد الدين و المذهب و الطقوس الدينية البالية. و لكن احدى الايجابيات لما فرضت نفسها على العقلية العراقية هي معرفة حقيقة الدين على الارض الواقع و ما يلامسه يؤثر بشكل مباشر على سلسلة افكار الفرد و عقليته و ثقافته العامة و بدوره يبدا باعادة النظر في امور الحياة و ما كسبه طوال هذه المرحلة و توارثه من ابائه و هو يقارنه بشكل مباشر بعقليته الجديدة و بحرية تامة دون اي تاثير او حاجز داخل الذات نتيجة عدم اجباره باي شكل كان لفرض توجه معين يمكن ان يشكك به و هذا يصح كثيرا ان نقول بانه يمكن لمسه في الطبقة النخبوية المثقفة اكثر من غيرها. و هذه بشارة خير لكافة فئات المجتمع العراقي و مكوناته على ان تتاثر بتلك الاحتكاكات الكبيرة بين العقليات المختلفة التي برزت من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، كي تختار هذه النخبة المفكرة ماهو الصح و كلما طالت مدة المرحلة اصبحت هذه النخبة اكبر حجما الى ان نصل الى الواقع المتغير النهائي بعد تغيير العقلية لمابعد الدين و استئصال المعوقات الاتية من الماضي غير الملائم لهذه المرحلة المتغيرة، و سوف تتلاشى او تصبح مع الحواشي بعد الانجراف الكبير للفكر و العقلةي و الفلسفة الجديدة و تستقر في يوم مناسب بعد ترسيخ الارضية الملائمة للنقلة النوعية للعقلية الانسانية في العراق و من ثم المنطقة كما اعتقد. و انني على ايمان راسخ بان الموجود من العوامل المترسخة تاريخيا و حضاريا يدفع الى ان يكون في المستقبل سواء كان قريبا او بعيدا ان يكون وادي الرافدين هو الموقع او البقعة التي يمكن ان تشهد انتقالة نوعية و جذرية نحو مرحلة مابعد الدين.