18 ديسمبر، 2024 7:36 م

مرحلة مابعد الحرب الباردة

مرحلة مابعد الحرب الباردة

كانت الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية قوة نامية، لكنها لم تكن تتصدر القوى الموجودة على الساحة آنذاك، فالإمبراطورية البريطانية لم تكن الشمس قد غابت عن مستعمراتها بعد، وكذلك كانت ألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ترسخ أقدامها كإمبراطورية أوربية لها مطامعها التي ظهرت بعد فوز الحزب النازي عام 1933 بزعامة هتلر، وكانت مقاصده ظاهرة من خلال الحرب العالمية الثانية، أما اليابان فكانت كذلك لها هيمنتها في شرق اسيا  كإمبراطورية. وكما قضت الحرب العالمية الأولى على أكثر من إمبراطورية، مثل الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية، فقد قضت الحرب العالمية الثانية على أكثر من إمبراطورية كذلك، منها الإمبراطورية اليابانية والبريطانية والمشروع الألماني للهيمنة على العالم، وبرزت كذلك قوتان جديدتان هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الذي انهار مع نهاية الثمانينيات من القرن الماضي , لتبدأ الولايات المتحدة هيمنتها على العالم كقوة وحيدة لا منافس لها في الوقت الراهن على الأقل. ومن يرجع إلى تاريخ نشوء أو انتهاء القوى العظمى يجد الحروب دائما تولد من بعدها قوى وتنهي أخرى ، وقد استطاعت الولايات المتحدة التي لم تشارك في الحرب إلا في نهايتها أن تبني إمبراطوريتها وقوتها ، فقد تركت القوى التي كانت منافسة لها آنذاك وهي بريطانيا وألمانيا والاتحاد السوفياتي واليابان والقوى المتحالفة تتطاحن  على مدى سنوات الحرب، ولم تعلن الولايات المتحدة حربها ضد ألمانيا إلا بعد تدمير الأسطول الأمريكي في بيرل هاربر. وحين حطمت الحرب القوى الكبرى آنذاك وأنهكتها عام 1945م بدأت الولايات المتحدة تجني الثمار في مرحلة جديدة على العالم.واذا ماانتقلنا الى عالم مابعد الحرب الباردة التي كانت قائمة بين معسكرين المعسكر الرأسمالي بزعامة الولايات المتحدة والمعسكر الاشتراكي بزعامة الاتحاد السوفيتي نجد ان النظام الدولي تغیرت توازناته الإستراتیجیة بعد نھایة الحرب الباردة ، على إثر إنهيار المعسكر الاشتراكي وبروز الولایات المتحدة الأمریكیة كقوة عظمى ووحیدة. ومن جانب الشرعیة الدولیة فقد فرض ھذا الإنتقال من نظام الثنائیة القطبیة إلى نظام الأحادیة القطبیة ضرورة بناء منظومة دولیة بدیلة لضمان الهيمنة الامريكية. ولما كانت الولایات المتحدة الأمریكیة الدولة القطب فقد تبنت فكرة تحمل مسؤولیة المجتمع الدولي بكل متغیراته  من منطلق بزوغها  الإمبراطوري، الأمر الذي فرض علیھا وضع مقاربة لسیاستھا الخارجیة تتماشى ودینامیكیات النظام الدولي الجدید، أھم ما یمیز ھذه المقاربة ھو البحث عن عدو بدیل أو حافز لسد الفراغ الإستراتیجي الذي خلفه الإتحاد السوفییتي، والذي یشكل جوھر بناء السیاسة الخارجیة الأمریكیة. بالطبع تستند أصول القوة غير المسبوقة والتي لا تساويها قوة أخرى التي تتباهى بها إلادارة الامريكية ، إلى نهاية المرحلة الأخيرة من التنافس الإمبريالي, أي الحرب الباردة   . لقد أدت الحرب الباردة التي امتدت منذ 1945- 1989 وانهيار الاتحاد السوفييتي في 1991 ، بالولايات المتحدة إلى تبوء موقع القوة  العسكرية القائدة في العالم. كما منحت هذه التطورات الرأسمالية الأمريكية منفذاً  لمناطق كانت قبل ذلك مغلقة دونها بسبب تقسيم العالم خلال الحرب الباردة إلى  كتلتين عظمتين متنافستين. وتعد وسط أسيا أبرز هذه المناطق، حيث تحتوي على  احتياطات نفطية كبيرة وتحتل موقعاً استراتيجياً على الحدود بين مناطق النفوذ الروسية والصينية. بيد أن انهيار النظام الستاليني لم يوقف التنافس بين الدول الكبرى. أن انتهاء الاستقرار المبني على الثنائية القطبية سوف يؤدي إلى مرحلة جديدة من المنافسة الجيوسياسية العنيفة، وبالتالي إلى  مخاطر وعدم استقرار أكثر مما كان في مرحلة ما قبل 1989.             
بشكل أكثر تحديدا، واجهت الولايات المتحدة مصدرين محتملين للمخاطر: جاء الأول من داخل المعسكر الرأسمالي الغربي، من ألمانيا واليابان، اللتان كانتا خاضعتان إلى قيادة الولايات المتحدة العسكرية والسياسية طوال الحرب الباردة، لكنهما تطورتا إلى منافسين مهمين للرأسمالية الأمريكية. إن تدهور المكانة الاقتصادية الأمريكية النسبية في مواجهة هاتين الدولتين كان أحد العوامل المهمة وراء دخول الاقتصاد العالمي في مرحلة جديدة من الأزمات في أواخر الستينيات.  المجموعة الثانية من المنافسين المحتملين للولايات المتحدة تضم دولا من خارج المعسكر الغربي. فروسيا بقيت  دولة عظمى بالرغم من  الاقتصاد الضعيف الذي تعاني منه ووقوعها في فوضى سياسية واجتماعية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي . فهي تمتلك آلاف الرؤوس النووية وتمتد عبر أوراسيا وتضم أو تحد مناطق ذات احتياطات كبيرة لمصادر الطاقة, لكن الصين تبقى التهديد الأهم. إن النمو الاقتصادي السريع الذي حققته الصين منذ أن تبنىوا  ستالينية السوق في الثمانينيات. ولكن هذا النمو أعطى للصين الموارد الكافية لصعودها كقوة عسكرية عظمى في أكثر مناطق العالم عرضة لعدم الاستقرار. وفي الوقت الذي تراجع فيه التهديد الاقتصادي الياباني في التسعينيات، صعدت الصين بوصفها التهديد الأساسي الذي يواجه الرأسمالية الأمريكية في الأجل الطويل. أن أمريكا قامت بتفجير مبنى التجارة العالمي كذريعة لمهاجمة أفغانستان ومن ثم السيطرة على مصادر الطاقة الجديدة في بحر قزوين والتي تعتبر البديل المغري لبترول الخليج والذي يكفل مصدر طاقة يكفي لعشرات السنين. إننا لا يمكن أن نغض الطرف عن أن انتصار أمريكا في هذه الحرب سيكون بمثابة تعويض كاف لكل تكاليف الحرب التي تكبدتها ، بيد أن كثيرًا من المراقبين يشككون في استفادة أمريكا من هذه الحرب ، وأن غاية ما يمكن أن تحصل عليه  أمريكا من هذه الحرب هو توطيد نفوذها العالمي كشرطي للعالم ، أو فرض سيطرة قارية تضمن لها المزيد من الانتشار التجاري في الدول المذعنة لنفوذها . إن حالة الانتعاش الاقتصادي التي عادت على أمريكا بعد حرب الخليج الثانية، إذ كانت الشركات الأمريكية هي صاحبة حصة الأسد في إعمار الكويت والسعودية ، وكانت صاحبة النصيب الأعظم من حصص الأسلحة المبيعة لدول المنطقة. إن الواقع المقروء ينذر بمواجهة قوية بين المصالح العالمية ، بما فيها بريطانيا الحليف القوي لأمريكا ، ولكن المواجهة القوية المتوقعة في المنطقة فهي المواجهة بين اقتصاد أمريكا واقتصاد الصين ودول الآسيان والمارد الأوروبي … لا نقول إن هذه الحرب هي التي ستدمر أمريكا ونفوذها على المدى القريب ، ولكنها نذير واضح على أن السياسة الأمريكية تتجه نحو الانتحار ، وهي ظاهرة يمكن ملاحظتها على كثير من الممالك والدول المتضخمة في نفوذها وسطوتها . بالعودة الى الماضي واستقراء الاحداث التي جرت في اواخر السبعينات وعقد الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي نلاحظ ان الولايات المتحده الامريكيه قد دأبت وساهمت في اضعاف الاتحاد السوفييتي وتفكيكه وبالتالي سقوطه رغم ما كان يمتلكه من اسلحه وتكنولوجيا متطوره كانت تقف بها سدا منيعا امام اطماع الامبراطورية الامريكية  في العالم ومد نفوذها الى مختلف الاماكن باستخدام كل الوسائل المتاحه لها وقد استخدمت امريكا الى جانب كل الوسائل الممكنه للاطاحه بالانظمة الاشتراكية اسلوب التسريع في سباق التسلح السوفييتي وبرامج غزو الفضاء التي ارهقت الميزانيه السوفييتيه وجعلتها في طريق لا عودة منه الا وهي خاسره بالاضافة الى زيادة تورطها في افغانستان بامداد “المجاهدين” الافغان والعرب للوقو ف بوجه المد الشيوعي واستنزاف القوات الروسيه الى درجة ان عجزت وزارة الماليه العسكريه السوفيتية  الى الالتزام بدفع رواتب قواتها المسلحه في افغانستان الى جانب انقسام القيادات العسكريه بين مؤيد ومعارض لهذه الحرب وقد استغلت امريكا كل هذه الظروف مجتمعة الى جانب اختراق المنظومه الاشتراكيه ومحاولة تفكيكها للضغط على الاتحاد السوفييتي واضعافه حتى نجحت بالتالي الى اسقاطه واصبح الوضع على ما هو عليه الان. و لأن أمریكا أیضا على عكس معظم دول العالم تقویھا الحرب و لا تضعفھا فقد انتھى المعسكر الاشتراكي لیعترف لھا بالریادة فیصبح بذلك عالم ما بعد الحرب الباردة عالم أمریكي و لتتغیر أیضا مھمة أمریكا العالمیة، فبعد أن كانت مھمتھا خلال الثنائیة القطبیة احتواء الاتحاد السوفییتي أصبحت مھمتھا الحفاظ على بیئة أمنیة عالمیة تناسب المصالح و القیم الأمریكیة و ردع اي ظھور لقوة منافسة جدیدة، و ذلك بالدفاع عن مناطق النفوذ و التفوق الأمریكي مثل أوروبا و شرق آسیا و الشرق الأوسط. فبسقوط الاتحاد السوفییتي سقطت معه  الكثیر من النظریات و المعتقدات فتراجع أسلوب القوة العسكریة لتنفیذ أھداف السیاسة الخارجیة، و ازدیاد الاھتمام بالجانب الاقتصادي لتحلیل السیاسة الخارجیة، ساھما في تغییر الفلسفة التي تحكم العلاقات الدولیة من تحقیق توازن القوى إلى تحقیق توازن المصالح.