23 ديسمبر، 2024 6:03 ص

مرحلة حساسة ومهام صعبة

مرحلة حساسة ومهام صعبة

تحت ذرائع مختلفة ابتعدت عن الاعلام خلال الاسبوعين الماضيين ولم اقدم اي تصريح او اعقد اي لقاء، بل وتجنبت كتابة عمودي الاسبوعي في صحيفة هوال. في الحقيقة هناك سببان رئيسيان لهذا الابتعاد الاول: هو زيارة الاربعين وتعطيل البرلمان. والثاني: هو شعوري بالحاجة الى وضوح اكثر للمشهد في مجال الحديث عن الموازنة العامة ، على اعتبارها مسألة شديدة الحساسية ترتبط بقوت الشعب، حيث وصل مشروع الموازنة العامة الى البرلمان قبل مدة وجرت له قراءة اولى واعدت اللجنة المالية في البرلمان تقريرها حولها,ثم جرت له قراءة ثانية في البرلمان اضافة الى مناقشات واسعة وغنية حول المشروع قام بها اعضاء البرلمان, ومن المقرر ان يدرج المشروع في جدول اعمال البرلمان نهاية هذا الاسبوع للتصويت عليه. الى هنا تبدو الامور طبيعية, الا انه ومن غير الطبيعي ومع كل الازمات التي تعصف باقليم كردستان، ان نجد حكومة اقليم كردستان غير مهتمة في تعاملها مع هذه المسالة حيث يتضمن مشروع الموازنة نفس الفقرة التي تضمنتها مشاريع الموازنات لسنتي (2015 و2016) والتي تنص على ان يقوم اقليم كردستان بتصدير 550 الف برميل من النفط عن طريق شركة سومو مقابل قيام الحكومة الاتحادية بارسال حصة ال (17%) من ميزانية العراق الى اقليم كردستان.
حكومة الاقليم لم ترسل احدا الى بغداد, ولم تقم باستدعاء الكتل الكردستانية في البرلمان العراقي الى اقليم كردستان للتباحث معها بهذا الشأن، حتى انها لم تصدر بيانا او تكلف فريق العمل الكردي في الحكومة والبرلمان العراقيين ليحملوا معهم رؤية حكومة الاقليم بخصوص هذه المسألة. الكتل الكردستانية باستثناء كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني تداولت في جملة افكار قانونية جديدة من اجل اخراج مشروع الموازنة من وضعها الراكد طيلة السنوات الماضية, ومن وضعها المعلق, ومنها ربما الزام الحكومة الفدرالية وحكومة الاقليم بالتنفيذ, واللجوء الى المحكمة الاتحادية في حال عدم تنفيذ قانون الموازنة لسنة 2017 او اذا لم يلتزم احد الطرفين او كلاهما ( الحكومة الاتحادية, حكومة الاقليم) بقانون الموازنة، او ان تتعامل الحكومة الفدرالية وفق المادتين 112 و114 من الدستور العراقي مع اقليم كردستان والمحافظات فيما يخص النفط والغاز والثروات المعدنية الاخرى والمنافذ الحدودية. من اجل ذلك تم عقد سلسلة اجتماعات مع اعضاء اللجنة المالية في البرلمان والاطراف والقوى السياسية الفاعلة من اجل التوصل الى قرار مناسب بهذا الخصوص من اجل العمل على تنفيذه عند عودتنا فيما يخص مشروع الموازنة، لكن وللاسف فان نائب رئيس البرلمان العراقي ئارام الشيخ محمد سوَق الامر اثناء استقبال تظاهرة المعلمين امام مكتب البرلمان العراقي في السليمانية يوم 15/11/2016 بشكل خاطئ, لماذا خاطئ؟:اولا: لان نائب رئيس البرلمان هو من حصة الكرد وهذا يعني انه يجب ان يمثل كل الكتل الكردية بما فيها كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وان لا يكون ممثلا لكتلة حزبه فقط، اضافة الى ان قرار الكتل الباقية لم يكن مساندا له لكي يستطيع تسويق او طرح المسالة بهذا الشكل وهذا التوجه والهدف. 
ثانيا: في الحقيقة ان هذه المسالة كفكرة قانونية لانقاذ شعب كردستان من الازمة، ولم تطرح لانقاذ محافظة معينة، وان هذا التصرف دفع كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني في برلمان كوردستان المعطل لتتعامل بردة فعل, وبلغة التخوين, بل ان بارزاني نفسه في 16/11/2016 تطرق في خطاب القاه في بعشيقة الى الوضع الاقتصادي في الاقليم من دون مراعاة لمشاعر المواطنين, وتوازن القوى في المنطقة, وبلغة طغي عليها روح ردة الفعل، حتى انه بعد اقل من 24 ساعة على هذا الخطاب صدر ايضاح حول جزء منه يتعلق بالعراق بدعوى ان ترجمة الخطاب الى اللغة العربية جاءت غير صحيحة!!, وبعد 72 ساعة في 20/11/ 2016 وفي خطاب اخر وبلغة مختلفة تماما للغة خطاب بعشيقة ، قدم بارزاني مبادرة تضمن افاقا لعودة الحوار حول القضايا العالقة في اقليم كردستان.
الاتحاد الوطني الكردستاني الى لحظة كتابة هذا المقال لم يطرح موقفه من الخطابين, لان الاتحاد عندما يتكلم بشدة يتهم بوقوعه تحت تأثير حركة التغيير وعندما يتكلم بمرونة يتهم بانه اصبح شريكا للحزب الديمقراطي الكردستاني!؟, لكن الاتحاد الوطني الكردستاني له مواقفه الخاصة في القضيتين وبخصوص كل القضايا الاخرى في اقليم كردستان والعراق. واعتقد اننا فيما يخص موضوع الموازنة العامة مسؤولون عن توفير قوت الشعب وان قضية كهذه لا تحتمل الخطا او المزايدة او التباهي واظهار الذات، بل بالعكس تحتاج الى الحكمة والروية والخبرة وخلق الثقة, وان الاتحاد الوطني الكردستاني لا يتعاطى مع الاقليم كملك للحزب الديمقراطي الكردستاني, ولا يتعامل بردود الافعال, لانه قدم الاف الشهداء قرابين من اجل ان يرى كيان الاقليم النور, وانه لا يعمل من اجل استقطاع قسم من الاقليم بل انه يعمل ايضا بكل قناعة على استرجاع المناطق المستقطعة من كردستان الى الاقليم وادارة الاقليم وانه قدم من اجل ذلك الكثير من التضحيات ومستعد ايضا لتقديم المزيد. 
لذا فاننا نعمل على تكثيف جهودنا من اجل ان يحصل الاقليم على استحقاقاته المالية بكل محافظاته, لان الاتحاد الوطني الكردستاني لا يفرق بين مواطن في محافظة دهوك ومواطن من محافظة السليمانية. وحول مباردة بارزاني لاصلاح الوضع في الاقليم اعتقد انها تمثل افقا للمعالجة ويجب ان نتمسك بها ونتعاطي معها، لانه على مدى 25 عام من تجربة الاقليم لم تصل الاوضاع فيه الى هذا السوء والخطر, واذا استمر الوضع بهذا الشكل ربما سنرى نكسة اشد من نكسة عام 1975. 
عليه يجب ان نتعامل مع هذا الوضع بالتحلي بكامل المسؤولية التأريخية لان العراق بعد داعش لن يكون عراق ما قبل داعش, وان الانتهاء من داعش بات قريبا والاتحاد الوطني استطاع لحد الان الحفاظ على التوازن في اقليم كردستان في اطار الادارة الواحدة، وهذا يعني انه على صعيد حكومة الاقليم فان الاتحاد الوطني وحده من استطاع الحفاظ على كركوك والمناطق الكوردستانية خارج الاقليم كردستان وان يبقي مشروع عودتها الى اقليم كردستان حيا. هذا في وقت كشف فيه عمليا انه قوة تعمل على تجنب العودة الى نظام الادارتين في الاقليم وعدم اهتمامه بهذا الامر، في وقت هناك قوة لا تهتم باعادة كركوك ارضا وشعبا وتحسين اوضاع شعبها المعاشية بقدر تمسكها بنفط كركوك.
ان مهمة الاتحاد الوطني الكردستاني في هذه المرحلة اصعب من الجميع لان هذه المرحلة شديدة الحساسية, والتطورات التي تجري فيها سريعة جدا، وانه باستثناء الحفاظ على وحدة اقليم كردستان واسترجاع المناطق الكردستانية المستقطعة منه اليه لا وجود لسبيل اخر, وانه وباستثناء الاتحاد الوطني الكردستاني فان الاخرين غير مهتمين بوحدة الاقليم وعودة كركوك اليه.