17 نوفمبر، 2024 9:38 م
Search
Close this search box.

مرحبا بقرار إيقاف استيراد السيارات

مرحبا بقرار إيقاف استيراد السيارات

لو سألت أي مواطن عن أسباب الازدحامات في بغداد ، لأجابك فورا إن شوارع بغداد لا تتحمل العدد الكبير من السيارات التي وصلت العراق بعد 2003 ، ولو أسهبت في طرح الأسئلة عن الأسباب الأخرى للازدحامات التي تتسبب في عرقلة انتقال المواطنين وتأخير انجاز الأعمال والتذمر لحد الاشمئزاز لكان الجواب هو الغلق غير المبرر لبعض الشوارع والانتشار غير المدروس للسيطرات ، فضلا عن استخدام إجراءات أخرى تتعلق بالطرق المستخدمة من حيث التخسفات وغيرها وزيادة المخالفات المرورية بدون عقاب والقصور الذي تعاني منه العاصمة في استخدام الإنفاق والقطارات والاستحواذ على الجسور ، ومن الغريب إن هذه الازدحامات تحصل رغم الارتفاع الكبير في أسعار وقود السيارات مقارنة مع الدول المنتجة للنفط وعدم وجود ضوابط لتعريفة النقل والإفراط في فرض الغرامات المرورية وزيادة التعرض للحوادث المرورية ، ناهيك عن ارتفاع أسعار السيارات عند المقارنة مع مثيلاتها الموجودة في الخارج رغم التساهل الضريبي على السيارات وعدم فرض الرسوم العالية وضريبة الرفاهية على الموديلات الحديثة من السيارات وتعدد جهات استيراد السيارات التي تنعدم بينها المنافسة نظرا لاستخدامها الاتفاقات التي ربما ترقى إلى مستور ( الكارتلات ) في مجال مصادر التوريد وجودة الأنواع المستوردة ومناشئها وتحديد الأسعار .

ويعد الحاكم المدني ( السفير الأمريكي بول بريمر ) أول من أثار شهية استيراد السيارات خارج الضوابط بعد 9 / 4 / 2003 ، إذ فتح الحدود لدخول السيارات من ( مزابل) العالم كونها سيارات مستخدمة ، وفي ظل الفوضى التي سادت بهذا الخصوص وغياب ادوار الوزارات والدوائر المعنية بالموضوع ، فقد تم إدخال أكثر من مليون سيارة مستعملة وكأن الهدف هو إخراج ثروات العراق للخارج من الدولار إذ لم تكن هناك أية ضوابط بخصوص فرض الضرائب والرسوم أو تسجيل السيارات المستوردة وتثبيت لوحات التسجيل ، ونظرا لتعارض ذلك مع مصالح بعض المتنفذين السياسيين ولغرض استثمار هذه الغنيمة لمصالحهم الخاصة ، فقد أصدرت اللجنة الاقتصادية قرارات بعدم جواز استيراد وإدخال السيارات إلا بموديلاتها أو اقل منها بسنة واحدة ، وبذلك بقيت آلاف السيارات المستعملة مكدسة في دول الجوار وتم توريدها كقطع غيار من خلال إدخالها مقطعة إلى العراق لأسباب معروفة للجميع وأبرزها التسارع والتنافس في تحقيق المنافع الشخصية ، وقد فشلت كل المحاولات لإدخال تلك السيارات باعتبار إن الهدف من الاستيراد هو استفادة الوسيط من توريدها للعراق رغم تسجيلها بأسماء تجار وسطاء محليين أو شركات عاملة في العراق .

وبعد إنفاق مليارات الدولارات التي ذهبت للخارج لاستيراد أردأ السيارات فقد تم البدء بفرض ( رسم اعمار العراق ) بنسبة 5% من قيمة السيارات أثناء الاستيراد بموجب جداول واجتهادات للتخمين ، وهو إجراء لم يحقق منافع اقتصادية لصالح خزينة الدولة لتواضع المبالغ المستوفاة وشيوع حالات عديدة للفساد الإداري والمالي انفضح أمرها لاحقا عند تحويل أرقام المنفيست حيث اتضح من خلالها وجود الكثير من الخروقات في الموضوع ولا نعرف نتائج التحقيق بعد ، ورغم إن الحكومية الاتحادية استخدمت نظام الزوجي والفردي لتقليل حركة السيارات نظرا لكثافة الازدحامات بسبب الأعداد الكبيرة من السيارات المستوردة ، إلا إن أي إجراء لم يتخذ للحد من استيراد السيارات فقد تضاعفت أعدادها بشكل كبير من خلال :

. قيام الشركة العامة لتجارة السيارات ببيع السيارات لصالح مستوردين باسمها وخدماتها لقاء عمولات .

. فتح منافذ في إقليم كردستان لاستيراد السيارات ومنحها أرقام تعود لمحافظات الاقليم .

. السماح باستيراد ( الوارد الأمريكي ) بأعداد كبيرة من خلال منافذ الجنوب وهي سيارات متضررة أصلا وقد طردت من البلدان التي استوردتها لتعارضها مع متطلبات السلامة العامة .

. السماح لمستثمرين باستخدام معامل الشركة العامة لصناعة السيارات في تجميع السيارات المستوردة تحت مسوغ ( تصنيع ) السيارات وتشجيع المنتوج الوطني .

. قيام المصارف بتسليف الموظفين والمواطنين بالمبالغ اللازمة لغرض شراء السيارات .

. قيام مستثمرين وشركات ببيع السيارات بالتقسيط بشروط ميسرة وبدون مقدمة وبضمانات محددة بهذا الخصوص .

. قيام بعض مجالس المحافظات والمؤسسات بمنح تسهيلات في توزيع السيارات للعاطلين عن العمل وذوي الاحتياجات الخاصة وبعض الفئات .

. منح سماحات وتسهيلات لاستيراد السيارات للمهجرين والمهاجرين والعائدين من الدراسة وحالات أخرى بدون ضرائب ورسوم ومنح لوحات التسجيل .

. تخصيص مبالغ ضخمة ضمن الموازنات لشراء السيارات الحكومية بمختلف استخداماتها .

. السماح بتسقيط السيارات لغرض استيراد سيارات حديثة بدلا عنها ومنحها لوحات التسجيل .

وفي الإطار ذاته ، فقد قررت وزارة التجارة بيع سيارات الصالون والأجرة للمواطنين ودوائر الدولة بنظامي النقدي والأقساط وبالتعاون مع مصرفي الرافدين والرشيد ، وذكر بيان للوزارة نشرته ( وسائل الإعلام قبل أيام ) أن الوزارة مستمرة ببيع سيارات الصالون والأجرة للمواطنين ودوائر الدولة وتسويق سيارات الصالون المستوردة من الشركات العالمية والسيارات المصنعة في الأسواق المحلية ، وأضاف البيان أن الوزارة قامت بتجهيز عدد كبير من الآليات والمعدات إلى دوائر الدولة والتي تدخل ضمن جهدها العملي اليومي كالكابسات والمكائن وصهاريج المياه والشفلات ، ومن الغريب حقا أن تمنح هذه التسهيلات الكبيرة في استيراد السيارات والبلد غير قادر على استيعاب أعدادها فيما يتعلق بالشوارع ومواقف السيارات والمحافظة عليها من الناحية الأمنية ونقصد سرقة السيارات ، علما إن استيراد سيارات أكثر من الحاجة يمثل تبديدا كبيرا في ثروات البلد ، كما إن لذلك انعكاسات سلبية متعددة بخصوص استهلاك الوقود في ظل عدم قدرة المصافي المحلية على إنتاج البنزين والكاز أويل وبشكل يضطرنا لاستيراد ملايين اللترات يوميا ، كما إن هناك عملات صعبة تدفع للخارج لاستيراد المواد الاحتياطية والإكسسوارات لهذه السيارات ، ناهيك عن التلوث البيئي الذي تسببه والحوادث المرورية لان بعض المراهقين والأطفال باتت لهم سيارات .

إننا لا نقف بالضد من حرية امتلاك واستخدام السيارات ولكن ذلك يجب أن لا يخرج عن السياقات الاعتيادية والمعايير العالمية المعتمدة بهذا الخصوص ولكننا ضد تبديد الثروات الوطنية في الاستيراد غبر المبرر للسيارات ، وقد صرح الناطق باسم مديرية المرور العامة ( قبل أسبوع ) إن لوحات التسجيل ( الرقم الألماني ) تعاني من الشحة في استيرادها من المنشأ وقد تم استيراد 600 ألف لوحة حاليا كوجبة ضمن وجبات لاحقة لتغطية الاحتياجات ، كما إن موانئ البصرة تزدحم بالسيارات الحديثة المستوردة ، ومبالغ هذه السيارات تدفع من خلال مزاد الدولار كما إن الضرائب المستوفاة لا تشكل إيرادا مهما لخزينة الدولة ، ولا نعلم لماذا تتعاون الجهات التي ذكرناها في أعلاه على الإقراض وتقديم التسهيلات لشراء السيارات ، ولم توجه مثل تلك الجهود إلى مواضيع منتجة اقتصاديا أو اجتماعيا كإقامة المشاريع للعاطلين أو الاستثمار المنتج للدخل ، فليس من المناسب أن نحول شبابنا إلى سواق تاكسي لأن ذلك تعطيل للطاقات وليس استثمارها بالشكل الصحيح ، فالمطلوب هو التعاون مع الحكومة في تجاوز الأزمة المالية وليس تعقيدها ، والإجابة عن أسباب تفاقم الاستيراد واضحة بالطبع وهي البحث عن الربح الكبير والسريع والاستفادة من مزاد العملات وتحقيق المنافع للحيتان ، وهو ما يتطلب من مجلسي النواب و الوزراء بإجراء دراسة عن عدد السيارات الموجودة والمتعاقد عليها والسعي لإصدار قرار واجب التنفيذ يقضي بوقف استيراد السيارات ولحين تحسن الظروف الأمنية وزوال الأزمة المالية كإجراء تقشفي حاله كحال الإجراءات التي فرضت على الفقراء ونعتقد إن هذا القرار سيرضي شرائح كبيرة من الجمهور ، وتقتضي الضرورة وضع ضوابط لتسقيط السيارات لان بعضها يعد هدرا للموارد كونها تصلح للاستخدام ، وفرض ضرائب مجزية لا تقل عن 200% عن استيراد السيارات لتحقيق وفورات للدولة بدلا من ذهابها لجيوب ( المستثمرين ) ، ومن حق كل عراقي أن يسأل من يقف وراء استمرار نزيف استيراد السيارات وهي لم تعد سلعة شحيحة بعد أن باتت اغلب العوائل تمتلك أكثر من سيارة رغم وجود النقل الجماعي الحكومي والخاص ؟؟

أحدث المقالات