23 ديسمبر، 2024 2:43 م

مرجع ديني أم مستشار الأمين العام للأمم المتحدة؟

مرجع ديني أم مستشار الأمين العام للأمم المتحدة؟

بعد الهجمة الإرهابية على مخيم ليبرتي التي راح ضحيتها (23) من اللاجئين الإيرانيين الأبرياء في العراق ضمن حالة فريدة في تأريخ المفوضية العليا للاجئين، لم تحدث حتى في شريعة الغاب، كان الكثير منا ينتظر تعليق اهم شخصين يرتبطان بالحدث الإجرامي، اولهما رئيس الوزراء حيدر العبادي، والذي كما يبدو لا بجرأ عن الإفصاح عما يدور في خلده من افكار، مفضلا ان ينهج كسلفه جودي المالكي، منهج القرود الثلاثة ( لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم). فهذا الرجل الذي رضع من ثدي حزب الدعوة العميل حليبا فاسدا لا يرتجى أصلا منه نفعا، الذي يصرح بأن العراق وإيران روحا وجسد بعد كل الويلات والكوارث لا نقول له سوى (لا حول ولا قوة إلا بالله).

الشحص الثاني هو ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق (يان كوبيتش) بإعتباره المسؤول الدولي المباشر عن أوضاع اللاجئين الإيرانيين في العراق، والذي كنا ننتظر منه أضعف الإيمان أي التعبير عن قلقه من الحادث الإرهابي كالعادة! وينقل تعزية سيده في نيويورك لمشاريع الشهادة القادمة من اللاجئين بعبارته المألوفة “عميق أسفنا”. إختفى يان كوبيتش من المشهد السياسي تماما، مع انه من المفترض به ان يقوم على الفور بزيارة ميدانية لمخيم ليبرتي للوقوف على الإضرار الجسيمة التي خلفتها صواريخ الغدر، او على أقل تقدير تقديم العزاء لذوي الضحايا الأبرياء، واعلام الثعلب الدولي في نيويورك بتفاصيل الجريمة الإرهابية الأخيرة. لكنه مثل فص الملح ذاب ولا أثر له! لا حضور ولا تعليق ولا حس ولا نفس! أين المبعوث الدولي؟

في اليوم التالي من الهجوم الصاروخي على ليبرتي تفجرت الحقيقة فقد تبين ان المبعوث الدولي ارسل من قبل سيده مبعوثا الى النجف لزيارة السيستاني وتجديد مراسيم ولاء الطاعة من جهة، وتسلم اكرامية هذه الطاعة من جهة أخرى، وكما يقول المثل العراقي” تارك ابوه ويركض ورا مرة ابوه”. هدية المرجع الأعلى مغرية والهدية لا ترد، وهي عبارة عن (ضريح مصغر للعتبات المقدسة من الذهب والأحجار الكريمة) تقدر قيمته مليون دولار.

جاء توقيت الزيارة غريبا لأنه حدث في موسم عاشوراء وهو وقت غير مناسب لزيارة المرجع لإنشعاله بأمور الطائفة، وكذلك لأن العراق كله في حالة طوفان بسبب الفياضانات وتعرقل السير وقد اعلنت عطلة رسمية بسبب الطوفان، ولأن الهجوم الإرهابي على المخيم يستدعي وجوده في بغداد للوقوف على تفاصيل الحدث، ونقلها الى نيويورك، وهذا من صلب واجباته وليست منة منه. لا غرابة في موقف (يان كوبيتش) فهو مثل سلفه جاء ليغتني وهي فرصة ذهبية للثروة لا يعقل ان يبدد اكراميات السيد من اجل لاجئين ايرانيين لا نفع من ورائهم. كما ان هذه الزيارات مجدولة ومبرمجة واجبارية من قبل الأمين العام نفسه.

كان مسلسل زيارات مبعوثي الأمين العام للنجف واللقاء بالمرجع الشيعي الأعلى يثير الإستغراب! ما علاقة الأمم المتحدة بالسيستاني، فهو رجل دين كما يدعي! ان كان يمثل طيفا معين فإنه لا يمثل العراقيين كلهم، ولا الشيعة كلهم، بل ان مقلدي الخامنئي في العراق اكثر من مؤيدي السيستاني، وهناك من يقلد اليعقوبي، والمراجع الثلاثة الآخرين، وهناك من يقلد السيد الصرخي والخالصي وغيرهم. لذا كان من الأولى به ان يزو الخامنئي واليعقوبي وبقية المراجع الشيعية. كما إننا لم نسمع

في يوم ما ان الأمم المتحدة تعاملت مع مرجع مسيحي او يهودي او بوذي او غيرهم في تأريخها. فلماذا السيستاني دون غيره؟

إنجلت غيمة الحيرة والإستفهام عن هذه الزيارات المثيرة عندما صرح السيد بومدرة الذي شغل منصب المستشار الخاص ليونامي والمكلف بملف اللاجئين الإيرانيين في مخيم أشرف لمدة عامين بأنه” لدينا توجيه من الأمين العام للأمم المتحدة لزيارة السيد السيستاني وأخد التوجيهات منه، ويمنع المبعوث الأممي من زيارة أي رمز من رموز أهل السنة. وان الإجتماعات التي يعقدها ممثل الأمين العام في العراق تكون بحضور (15) من السفراء فقط، ولا يجوز أن يحضرها أي سفير عربي”. وأزال الإلتباس بشأن موضوع آخر يكشف فيه عن سر سكوت المالكي وخلفه العبادي عن الإرهاب الذي يمارسة نظام الملالي وأقزامه العراقيين ضد اللاجئين الإيرانيين بقوله خلال جلسة مع الكونغرس الأمريكي” أؤكد أمامكم بأن يونامي لا تعمل اطلاقاً بشكل مستقل. خصوصا في المواضيع ذات الصلة بمخيم أشرف. فإتخاذ القرارات بشأن المخيم وسكانه، تتم في مكتب رئاسة الوزراء العراقي، وفي بعض الأحيان في السفارة الايرانية ببغداد”.

لو إستعرضنا المواضيع التي ناقشها ممثل الأمين العام مع المرجع الأعلى “بشكل معمق” حسب وصفه، لأنتابتنا الحيرة! إنها مواضيع يمكن قبولها لو إنه ناقشها مع رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو وزير الدفاع على أقل تقدير. فمن تلك المواضيع دعم القوات الأمنية، إجراء الإصلاحات الحكومية، محاربة الفساد، إعادة الأموال المسروقة، محاربة داعش، موضوع النازحين. جميعها مواضيع سياسية وعسكرية وأمنية لا تمت بصلة للمرجع الأعلى، لكن في تملق يرقى لإعنان السماء صرح (يان كوبيتش) “نحن شاكرون جدا النصح، وهذا مهم في الامم المتحدة والمجتمع الدولي”. طالما أن الأمم المتحدة تستفيد من نصائح المرجع الإعلى! إذن لما لا تعينه مستشارا للأمين العام للمتحدة وتنقله الى نيويورك لتعم الفائدة على الجميع؟

وبشأن اصلاحات الحكومة علق كوبيتش” يجب دعم جهود الاصلاح وطرح افكار من قبل السياسيين والبرلمانيين ومنظمات المجمتع الدولي لمساعدة الحكومة في عملية الاصلاح”، لكن اليس من الأجدى أن يناقش موضوع الإصلاح مع رئيس البرلمان بإعتبارة الجهة صاحبة العلاقة! لكن ربما للمبعوث الدولي عذره بعد أن سمع رئيس البرلمان يتوسل المراجع الشيعية بإصدار فتوى لإسكان النازحين والمهجرين في الجوامع بعد الطوفان الأخير، وفكر مع نفسه بأن رئيس البرلمان الذي يعجز عن فتح جوامع تعود لأوقاف الدولة لإسكان النازحين، ويتوسل المراجع لفتحها، مثله لا يستحق أي قيمة أو إعتبار.

المصيبة الأخرى تتمثل في إجتماع المبعوث الدولي بزعماء الميليشيات الإرهابية التي دمرت العراق وعبثت بأمنه، وهي نفسها التي تنفذ الأعمال الإرهابية ضد مخيم ليبرتي وقبله أشرف، كميليشيا حزب الله، وعصائب أهل الحق وغيرها ممن يشكل نواة الحشد الشعبي، والكارثة إن كوبيتش يشيد بهذه الميليشيات ودوها في أمن وإستقرار البلد، وهذه أيضا أول مرة نسمع فيها دعم الأمم المتحدة لميليشيات إرهابية!

فقد صرح المله (كوبيتش) بأن “الحشد الشعبي يلعب دورا مهما في مواجهة عصابات داعش الارهابية ويجب الاقرار بهذا الدور، والكثير من اعضاء الحشد استشهدوا خلال مواجهاتهم مع داعش، لذلك من الضروري دعم القوات الامنية والحشد في حربها ضد الارهاب”.

عجبا! إرهاب يحارب إرهاب! من يحل لنا هذا اللغز؟ أو إرهاب يحظى بإعجاب الأمم المتحدة، وإرهاب لا يحظى بإعجابها! لكن لا حيرة ولا دهشة! فالأمم المتحدة هي لسان الولايات المتحدة، قبله بأيام أشاد السفير الأمريكي في بغداد بالحشد الطائفي أيضا.

ذكر الثعلب الدولي” سبق لي ان ناقشت مع قيادات الحشد الشعبي ضرورة الحفاظ على القانون وحقوق الانسان خلال حربهم مع داعش واكدوا لي ذلك، وعلينا المحافظة على هذا الامر”. وما إن

إنتهى اللقاء حتى قام الحشد الشعبي بتأكيد ذلك من خلال تفجير (جامع الفتاح) وهو من أكبر المساجد في قضاء بيجي، مع أهازيج وهتافات طائفية مقرفة، علاوة على سرقة البيوت الخالية من أهلها، وإعتقال المئات من الشباب بتهمة التعاون مع تنظيم الدولة الإسلامية.

إن كان(يان كوبيتش) لا يعلم فتلك مصيبة، وان كان يعلم فتلك رشوة!

قال الشاعر: إذا أنت جازيت المسيء بفعله … ففعلك من فعل المسيء قريبُ