ليس للمرجعية في العراق أي منصب حكومي, كما أنها -وخصوصا مرجعية السيد السيستاني- لا تمتلك أي ذراع سياسي, أو تيار تنظيمي, أو مليشيا مسلحة.
نأت مرجعية السيد السيستاني بنفسها عن الانخراط بالعمل السياسي, والمباشرة به, والتزمت موقف الأبوية, من خلال النصح والتوجيه والإرشاد, ووقفتْ موقف الخبير المشخص الفاحص, الذي ينطق بما يخدم مصلحة المواطنين والوطن.
شَخَّصَتْ وعَمِلَتْ المرجعية -وبما تملكه من موقع روحي في نفوس العراقيين- ما يخدم البلد ويصلحه, وكانت منحازة في كل ذلك إلى جانب المواطن, ولم تطالب بشيء لنفسها, وإنما كان شعار السيد المرجع السيستاني دوما ” ليس لي أمل إلا أن أرى العراقيين سعداء” ومن منطلق هذه الأُمنية كانت حركته لوضع النقاط على الحروف في ما يصلح وضع البلد.
كانت مواقف السيد السيستاني واضحة في تشخيص الفاسدين, ويعد أول من قاد الحراك الجماهيري في الاعتراض على حكومات الفشل والفساد, إذ أوصدت المرجعية بابها بوجه الفاسدين منذ عام 2010.
انطلقت في العراق مظاهرات عارمة منها بدأتْ في ساحة التحرير عام 2015, وكانت المرجعية أول المنادين بدعم التظاهرات, شريطة أن تكون سلمية, وأن لها مطالب ممكنة التحقيق, وأيضا لها منسقية وممثلين معروفين, وبنفس الوقت حذرتْ المرجعية الحكومة, من أن عدم الاستجابة الفورية لمطالب المتظاهرين, سيجعل هذه المظاهرات تعود وتشتد أكثر ولات حين مندم.
لم تُفَعِّل الحكومة آليات لتحقيق مطالب المتظاهرين, ولم تتخذ خطوات جادة في ضرب كبار رؤوس الفاسدين -كما دعت المرجعية لذلك- بل على العكس غضت الطرف عن هؤلاء, وكانت النتيجة أن عادت المظاهرات بشكل أوسع وأخطر كما حذرت المرجعية.
هذه المظاهرات الأخيرة, والتي بدت مطلبية, تحولت بعد أيام إلى أمر غريب وعجيب, ألا وهو ألقاء اللوم على المرجعية, وتحميلها مسؤولية الفشل والفساد, وكأن المتظاهرين قد خرجوا بالضد من المرجعية ونسوا الحكومة, ونسوا أيضا أن المرجعية وقبل أكثر من ثمان سنوات أوصدت أبوابها بوجوه الفاسدين احتجاجا على أفعالهم.
توجه المتظاهرين الأخير, وشعارات المظاهرات الأخيرة, يجعلنا نبدأ بالتشكيك بأحقية هذه التظاهرات, ووجدنا وكأن هناك مخطط لاستهداف المرجعية بعد نجاحها –المرجعية- بإنقاذ العراق من براثن عصابات الموت, ومن المخططات الدولية للقضاء على العراق بفتواها الجهادية, وصرنا نلمس بأن اللافتات التي ترفع بعد صلاة الجمعة في ساحات التظاهرات, كأنها وبفعل فاعل قد عُدَت مسبقا.
كلمة أخيرة أقولها للمتظاهرين! إن كانت مشكلتكم مع الحكومة فاتركوا المرجعية, وان كانت مع المرجعية فان كنتم لا تتبعونها فما لكم وما تقول؟! وإن كنتم تتبعونها وترون أحقيتها في القيادة, فما عليكم إلا الإتباع والالتزام بما تطرحه من إرشاد وتوجيه, فالمرجعية ليست خاضعة لأمزجتكم وهواكم.