بدأ الخطر يداهمني وضاق وقتي وقصر طريقي , ولا مفر لي من قبضة النظام السابق سوى الخروج خارج العراق, وكان الجو معتدل في خريف نهاية تسعينات القرن المنصرم؛ فكانت رحلتي هذه المرة إلى السعودية برا؛ لأعمل راعي غنم هناك شريطة أن اعبر الحدود (ألحفت ) بمصطلح (المهربجية ) تهريب .. المهم بعد معانات الطريق البري النيسمي, مرة بسيارة كشف , وأخرى راجلا, وصلنا إلى منطقة تسمى (خسارة ) عبر الحدود, فكنا نسير ليلا ومعيتي بعض الأصدقاء من مناطق ريفية مختلفة من جنوب العراق , وكلهم يجيدون رعي الغنم والإبل إلا أنا فلم المس الغنم إلا بعض المرات , عندما كانت أمي تنذر نذر أو نذبح ضحية لوالدي رحمه الله , وكانت تخالجني أفكار متعددة واستذكر نصائح بعض الإخوة البدو , ممن أقمت عندهم أثناء رحلتي؛ حول كيفية الرعي …. المهم وصلنا إلى المكان المعلوم هناك , وكانت منطقة بعيدة جدا تسمى( وادي العجمان) , حيث التقينا بصاحب العمل السعودي (المعزّب ) فاطلعنا على العمل وكيفية قيادة الأعداد الهائلة من الأغنام , وطريقة رعيها والسيطرة عليها بطريقة بدائية ؛ لكنها فنية جدا وهي : أن يُفطم الضأن (الطلي ) وهو صغير على ضرع أنثى الحمار أي- أن يشمم ضرع أنثى الحمار يوميا – إلى أن يكبر وبعدها يخصى أي- أن تقص خصيتاه بعد إضمارها بعقدها بحبل فترة طويلة- ؛ فتبرز له قرون طويلة حتى يُوهم ويَفهم إن أنثى الحمار أمه ؛ فيمشي خلفها أينما اتجهت, ثم تكرر نفس العملية عليه أي – أن يفطم اثنان أو ثلاثة من الضان ويشممون رائحة الخروف الاكبر ذو القرنين الذي يسير خلف الحمار- ويُفهم الثلاثة أو الأربعة إن الخروف الأكبر أمهم ؛ لكن هذه المرة تعلق حول أعناقهم الأجراس؛ فعند مشيهم تقرع الأجراس ؛ فتتبعهم باقي الأغنام التي تزيد على العشرة ألاف والراعي يمتطي الحمار فيضرب الحمار ويوجهه شمالا فيتجه خلف الخروف الاقرن تتبعه خراف الأجراس فتقرع الأجراس تتبعها الآلاف الأغنام …… واقعا ما جرى لي ذكرني بقصة المرجعية الدينية في النجف وكيف تقود الشعب؛ فكلنا يعلم بان العراق كان مستعمرة عثمانية والعثمانيون مسلمين بطبيعة الحال, ثم بعد ذلك دخل الاحتلال البريطاني من جنوب العراق (البصرة) فطرد الاستعمار العثماني شيئا فشيئا الى الشمال وطبعا المطامع الاستعمارية غالبا ما يحركها الهدف الاقتصادي , والعراق بلد نفطي زراعي ….
المهم رتب الاستعمار البريطاني إدارة البلد الذي تحت سيطرته وكيفية تعامله مع البلدان الأخرى, عن طريق الخارجية أو القنصلية أو القائم بالأعمال …؛ فلاحَظَ أمر استجلب انتباهه : وهو دخول كميات كبيرة من الأموال من بلدان إسلامية مجاورة للعراق (شيعية ) ؛ فسأل القنصل أو القائم بالإعمال: ما هذه الأموال ؟ فأجابوه : هذه أموال الخمس والزكوات؛ تُجمع للمرجعية الدينية في النجف ….ففكر المحتل الانكليزي بطريقة اقتصادية ذكية لا تقل أهمية واستثمار وسيطرة على الشعوب من أموال النفط , ولا تحتاج إلى مزيد من العناء والتعب قائلا ومتسائلا : لماذا لا يكون تنصيب المرجع الشيعي من لندن ويكون له الشياع الإعلامي ؟ ويكون بالاتفاق مع إيران مصدر المرجعيات حسب الطلب …؛ فكانت مؤسسة الخوئي الخيرية في لندن , وكل اموال الزكوات تُصَدَّر إلى هناك , ويتم التقسيم فيما بينهم (إيران وبريطانيا ) فكانت بريطانيا هي الراعي الذي يمتطي الحمار (المرجع ) الُمنصّب من لندن ؛ كما نُصِّب المرجع السيستاني بإعلان من مؤسسة الخوئي الخيرية ؛ حال وفاة الخوئي والخروف الاقرن الذي يتبعه ويرتضع من ثديه أهل الخبرة والخرفان ذوو الأجراس( روزخونية المنابر) الذين ينعقون خلف أسيادهم وأصنامهم والشعب هم قطيع الأغنام الذين يتبعون الأبواق فسيطرة الدول الغربية على المرجعيات المسوقة هي محسوبة طبعا ودليل كل مرجع مايروج له الإعلام وما يبوق له أئمة الضلالة فكم هي طامة كبرى وجناية وتجهيل للشعب العراقي عندما يُحتل من قبل دول متعددت الجنسيات ومرجعيات متعددت الجنسيات.