سلام سرحان :
كنتُ أشعل لفافة اللغة ، وتبغ الكلام ، لأُ نسج مكتوباً عن آخر ولاداتك . معلقة شعرٍ صافٍ أسمها ” سلام سرحان ” ألمعلقة المشيولة منذ شهور ، على جُدِر القلب ، الذي هو نصف قلبك وكبدك ، يا خلّي وخليلي وصاحبي ، الذي لن تنرسم في ذاكرتي المعطوبة ، بغداد الحلوة وكرّادتها ورشيدها وأندلسها وحسن عجميّها ومتنبّيها وشابندرها ، وحماقاتها اللذيذة ، إلّا وكنت أنت أنت أنت ، مزروعاً كما رازقية طازجة ، في خاصرة اللوحة.
كانت ” أناك ” الماجدة ، ليس بطراً ولا تعففاً على الطبيعة . كنت أنت أبداً ، واضحاً مشعّاً قائماً ، من دون قناع ، سوى قناع الشعر العاقل . هل قلتَ لي مرةً أنْ لا مدينة تُعاش ، إلّا وأنت فيها . يا لها من مطرة رحيمة ، ما زال طعمها يلبط في معاريج الذاكرة . أللحظة أراني مكرهاً على ترك مقترح خربشات وهوامش ، كنت أشتهي طشّها فوق شِعرك الضاجّ ، وسيكون من الغباء ، أن ننقّبَ في إحفورات ، عن إجابات مدسوسة ممكنة.
ماتت أمّي قبل إحدى عشرة سنة ، ولم يُتحْ لي ، أن أشيل كمشة تراب زكيّ ، فأرشّها فوق مدفنها النجفيّ ، برّاً وحبّاً ، وردّاً لبعض ناقوط حليب ، كان يمطر من ضرعها ، وهي تبيت على عشاء شحيح . سنتها ، إنمطَّ واتّسع منظر الغربة ، وصارت البلاد ، أبعد من لمعة الزُهرة . ليلتها ولياليها ، صوّبتُ قلبي شطرَ قلبك ، فحسدتك وغبطتك ، لأنَّ لك أمّاً تهدهدك وتهاتفك وتسكرك بتنويمة : دللّول يا سلّومي يا ابني دللّول.
بادت عشرٌ يابسات موحشات باردات قاسيات ، فنبتت للأيام السود ، أسنانٌ باشطة ، فمات حجي سرحان ، الذي إن قلتَ له في يوم عمّوني عجيب : لك يا شيخي دينك ، ولي ديني ، لقام من قعدته ، ونبت على حيلهِ الراسخ ، ودهنَ يومك بمسك الكلام : يا عليّ ، أنت إبن جوهر الآدمية ، فأركبْ معنا ، فتكوننَّ من الرابحين السعيدين . هذا هو أبوك اليشبه أخاك طه . كان لطه دكان عشّاب ، يشفي العلل ، ويداوي الأعطاب ، وفي ظهرية رمادية متربة مغبرة ، عجّتْ على الناس عجاجة صفراء ، مثل غروب مقبرة ، فتدعبل قدّام دكان طه المداوي ، واحدٌ من كائنات الله ، فتلقفه أخوك طه الرحيم ، وأدخله ببطن المعشبة ، فشرب شربة ماء زلال طيب حلال ، واستراح ،وبعد أن ذابت المتربة ، استل الوحش مسدساً ، وأفرغ باروده برأس طه ، الذي يشفي الفقراء ، ولا يسألهم عن قرشٍ أحمر.
ألبارحة ، ماتت أمك ، وأنت هناك ، تلعي وتتناوح ، تحت سماء غريبة مضببة.
كان بمشتهاي ومهواي ، أن أطيح على مرثية عظمى ، لكنّ فكرة سماوية ، فرملتْ حروفي – أيها الصديق الصادق الصدوق – فلا أحزن ، ولا تحزن ، ولا هم يحزنون ، لأنّ أمي ، ستسهر الليلة ، صحبة أُمّك.
هل أمك سنّيّة؟!
هل أمّي شيعيّة؟!
ستدردشان وتسولفان وتضحكان ، وستصلّيان معاً ، وختمة الصلاة المبروكة ، ستكون : اسم الله عليك يمّه سلّومي. اسم الله عليك يمّه علّوكي .
*** ” سلام سرحان ” ديوان شعريّ جديد أصدره الشاعر هذه السنة ، وحمل هذا العنوان اللافت ….