18 ديسمبر، 2024 6:46 م

مرتبة جديدة لـ”مختار العصر”!

مرتبة جديدة لـ”مختار العصر”!

التعصّب أعمى، ويُعمي.. يُعمي البصيرة، ومن الأمثلة الشائعة على عمى البصيرة سعي البعض لرفع بشر عاديين ممّنْ يتعصّبون لهم إلى مراتب الأولياء والقدّيسين، فهؤلاء لابدّ أنّ فيهم درجة متقدّمة من عمى البصيرة.
منذ سنوات عبّر أحد المتحمسين لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي عن تعصّبه له بإطلاق صفة”مختار العصر”عليه، وهي إحالة إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي (622 – 686 م)، القائد العسكري الذي طالب بدم الإمام الحسين بن علي، وقتل بعضاً ممن شاركوا في قتلته في الكوفة، قبل أن يُقتل هو أيضاً في الكوفة.
بالطبع لا مجال للمقارنة، فما من أحد يُشبه أحداً. والسيد المالكي ليس جنرالاً عسكرياً ليكون ثمة مجال لتشبيهه بالمختار الثقفي، وهو لم يطالب بدم الحسين كالمختار، ببساطة لأنه ليس هناك الآن مَنْ يُمكن قتله انتقاماً لقتل الحسين. حتى الجيل العاشر من أحفاد قتلة الحسين قد انقرض واندثر، وإنْ بقي أحد من أحفاد أحفاد الشمر بن ذي الجوشن أو عمر بن سعد أو سواهما فما مِن منطق يسوّغ الانتقام منهم عمّا فعله أجدادهم الأوّلون.
مع هذا، فثمّة متعصّب للسيد المالكي من قيادة حزب الدعوة الإسلامية، هو النائب خلف عبد الصمد، يرغب الآن، في ما يبدو، بترقية السيد الملكي إلى منزلة قدسيّة أعلى من منزلة المختار الثقفي. السيد عبد الصمد يريد أن يضع زعيم حزبه في مصاف الإمام علي بن أبي طالب.
عبد الصمد، وهو رئيس كتلة حزب الدعوة البرلمانيّة، شبّه الوضع المحيط بأمر اختيار السيد المالكي رئيساً التحالف الوطني بـ”الإشكاليّة التي حصلت مع الإمام علي حول اختياره للخلافة بعد وفاة النبي محمد! قال في تصريح صحافي إنّ”ائتلاف دولة القانون اختار نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي مرشّحاً لرئاسة التحالف الوطني”، وإنّ”بعض الكتل (في التحالف الوطني) أشكلت على أنهم لم يسمّوا المالكي للدورة الثانية، وعلى دولة القانون أن تختار”، واعتبر أنّ”الإشكاليّة المطروحة من قبل تلك الكتل في التحالف هو أنه لا يمكن الجمع بين رئاسة التحالف ورئاسة الوزراء”،مضيفاً أنّ”هذه الإشكالية كانت مع الإمام علي (ع)، حول اختياره للخلافة بعد وفاة النبي محمد قبل أكثر من 1400 سنة المتمثّلة بـ (كيف يكون لبيت يجمع النبوّة والخلافة)”، مختتماً بالقول:”فالقوم أبناء القوم”!
من حقّ السيد عبد الصمد أن يرى صورة مَنْ يُحبّ ويوالي في أيّ صورة يرغب بها، لكن يتعيّن أن يكون هذا في حدود المنطق والعقل. استعادة حادثة التخليف بعد وفاة النبي محمد وإسقاطها على وضع الخلافة لرئاسة التحالف الوطني لن تنفع السيد المالكي في شيء، ببساطة لأنه لن يكون مقدّساً بالصفات المُنتقاة اعتباطاً من المتحمّسين، والدليل أنّ صدام حسين اختار لنفسه، أو اختير له، نحو مئة صفة، هي في الواقع أسماء الله الحسنى نفسها، وجعل الخطّاطين والنقّاشين يخطّونها وينقشونها حتى على جدران القصور.. ولم ينفعه ذلك وغيره في شيء، ولم ينقذه من الانتهاء إلى مزبلة التاريخ.