والحبر لم يجف بعد عن مقالتي في ” كتابات “قبل أسبوع بالضبط ( 22 شباط الحالي ) بذات العنوان ، صدر بيان وزارة الخارجيه العراقيه بتاريخ 26 شباط حول نتائج زيارة السيد هوشيار زيباري ، وزير الخارجيه على رأس وفد إلى الجاره إيران للتباحث حول المشاكل الحدوديه بين البلدين . هذا البيان ، كما تناقلته وكالات الانباء نصّ على أن ” الجانبين توصلا إلى تفاهمات وإتفاقات حول كيفية المضي قدماً وتنفيذها وفق المعاهده الخاصه بالحدود والبروتوكولات الملحقه والمبرمه بين البلدين عام 1975….. والتوصل إلى توافقات بشان تحديد الحدود النهريه في شط العرب بشكل يضمن مصالح وحقوق كلا الطرفين من خلال إعادة خط ( التالوك ) إلى سابق عهده …… الخ ” إنتهى الإقتباس .
إن ليَ حَقين في الرد والتعقيب على ذلك : الاول كوني مواطن عراقي ، وهو حق بالفطره ، والثاني كوني قد بادرت قبل أسبوع بالضبط في الكتابه حول ذلك . وهذا مانسميه بالحق المعنوي .
أقول إبتداءً : لقد وهبَ من لايملك ، أعني السيد زيباري ومن يمثله في سلطة القرار ، من لايستحق ، وهو إيران !
هل هي إستعاده بُكائيه لوعد بلفور ! أم ماذا ؟
لدي سؤال : من أنت ايها السيد الزيباري عندما تضع توقيعك ، وعلى وقع إبتسامه مُترَهِله ، بإسم جمهورية العراق على صك التنازل عن جزء من سيادة العراق ؟ ومن الذي خولك ؟ وعود على بدء ومن أجل الاستذكار ، فإن إتفاقية الجزائر ، موضوع المباحثات ، كان أن وقعها صدام حسين ، عندما كان حينئذٍ نائباً لمجلس ” قيادة الثوره ” في زمن العفالقه مع شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1975 .
وكان أن قايضَ سقط المتاع هذا نصف شط العرب ، نهر العراق الابدي الذي حبتهُ الطبيعه للعراقيين بمباركه إلاهيه ، بإيقاف إيران الدعم المادي واللوجستي للثوره الكرديه في حينها .
هذه الاتفاقيه ، تُعتبر في حكم الملغاة ، ليس بفعل أن صدام حسين هو بالذات من ألغاها فيما بعد في عشية الحرب العراقيه الايرانيه عام 1980 ، ولكن لإعتبارين إثنين آخرين ، كنت قد أشرتُ إليهما في مقالتي ، السالفة الذكر :
الإعتبار الاول : أن إتفاقية الجزائر لعام 1975 لم تَنُصْ في موادها صراحةً على إلغاء الاتفاقيات الثنائيه التي سبقتها ، وأعني في المقام الاول إتفاقية عام 1937، ألحافِظه لسيادة العراق ، وعليه فإن هذه الاتفاقيه الاخيره ماتزال ، بحكم القانون الدولي ، نافذة المفعول .
الإعتبار الثاني : أن إتفاقية الجزائر لعام 1975 تعتبر بحكم الملغاة بفعل نتائج الحرب العراقيه ـالايرانيه ، إتسّاقاً مع العرف الدولي ، الذي ينص على أن الحروب تلغي ماسبقتها من معاهدات أو إتفاقات بين الدول .
ليس لدي أية رغبه في الاستطراد ، فقد تحقق ذلك في ماكتبته قبل أسبوع ، بيد أن لدي بعضٍ من أسئله ، قد تبدو خبيثه في مظهرها ، ولكن لها ، أي للاسئله هذه ، الحق في أن تلفع بعض من يعتقد ، أو من يتصدى لأن يكون لمن من نسميهم أولي الامر :
السؤال الاول : هل أن إعادة الاعتراف بإتفاقية الجزائر ، كما نص على ذلك البيان الموقر لوزارة الخارجيه العراقيه ، يمثّل الموقف الرسمي للدوله العراقيه الان ؟ وإذا كان الامر الامر كذلك ، فما هي المرجعيه الدستوريه في ذلك ؟
السؤال الثاني : لماذا صمت السلاحف المطبق من قبل من بيدهم الامر ، ولماذا لم يتصدى مجلس النواب الموقر لهذه القضيه ؟ أعرف أن هذا المجلس كان مشغولاً ، حد التخمه ، في الفترات الماضيه بتشريع قوانين تخص الامتيازات الأبديه لاعضائه وطواقم حماياتهم ، ولكن الان وبعد الإنتهاء من هذه المهام ، ألا يستاهل شط العرب ، إلتفاته للنظر في صون عراقيته ، والذود عن الحقوق الابديه لاهل الجنوب فيه ؟
السؤال الثالث : ماهو موقف مجلس محافظة البصره من نتائج هذه الزياره ؟ أم أنه هو الاخر مشغول بمشكلة تصادم فريق حماية السيد النائب الثاني، نعم الثاني ،للمحافظ مع فريق حماية ديوان المحافظه ؟ أيا تُرى ، والشئ بالشئ يُذكر ، هل كان لعمر بن ألخطاب ، أو لعلي بن أبي طالب حمايات مُماثله ؟
أصّر ، على أن تكون الإجابات على هذه الاسئله إجباريه .
…… “وصاحبٌ لي لم أبخلهُ موهبةً ” همسَ لي عبر التلفون : مالك يارجل وشط العرب ، فأنتَ تسبح ضد التيار ، وتغرد خارج السرب ! ألا تكفيك مملكة الاراضي المنخفضه ، وما حَباها الله من مكونات جَمال تكورّت ، وتناغّت ، فإتسقّت !
أجبتهُ ، انت على حق ، ولكن مِن اينَ لي ألقدره على نسيان حَلاوة نهرخوز ، وعطر أبو الفلوس ، وباسقات النخل في أبي ألخصيب . ومِن أين لي أن أتنكر بالصمت لأهالي ألسيبه والفاو في معاناتهم اليوميه بسبب تملّح شط العرب ، شطهّم ألذي ينآى عنهم يومياً .
أما عن ألسباحه ضد التيار ، فذلك مُدعاة لتقوية العضلات . وأما التغرد خارج السرب ، ماحيلتي إذا كان هذا السرب ، لِفدمهِ ، قد ضلّ طريقه ، وأضحى مساره في غير فضائاته ! ماعلَيَّ ، سوى الارشاد والتنبيه ، وهذا حقُّ لي كفلته لي القوانين والاعراف .
أقول فقط ، شط العرب له أهله ، وهل يهون عليهم أن يرحل عنهم ؟
أي طرطرا تطرطري
وهللي وكبري
وطبلي لكل ما
يُخزي الفتى وزمرّي
… هذا زمان القحط
والسقوط والتنكرِ
… أي طرطرا تطرطري *
* أنشودة الجواهري الخالده عام 1946