19 ديسمبر، 2024 7:05 ص

-1-
نقرأ في التاريخ :

أنَّ المعتمد على الله العباسي ت 279 هجرية

قال :

أليس مِنَ العجائبِ أنَّ مِثْلي

يرى ما قَلَّ مُمتَنِعا عليهِ

وتؤخذُ باسمه الدنيا جميعاً

وما من ذاك شيءٌ في يديهِ

اليه تُحملُ الأموال طُرّاً

ويُمنعُ بعضُ ما يُجبى إليهِ

تاريخ الخلفاء للسيوطي ص236-237

معنى ذلك ؟

أنَّ الحاكم قد يُسلب كلَّ صلاحياته ويجّرد منها بالكامل ، بحيث يتعذر عليه الحصول على ما يريد وانْ كان شيئاً زهيدا !!

والفلاسفة يقولون :

الوقوع أول دليلٍ على الإمكان

والغرابة هنا :

ان السلطان الذي تجبى له الأموال من شرق الأرض وغربها لايستطيع ان ينال شيئاً منها ..!!

انها صورة قائمة للضعيف الهزيل الذي يخرجُ الأمر من يديه ويبقى رهينة بيد الزمرة المحيطة به ، تتلاعب بمقدراته ، وتصنع باسمه ما يحلو لها دون خوف او وجل ..!!

نعم إنّ الوهن والضعف والخور وضعف الشخصية يقود الى مثل هذه الاوضاع المزرية ..!!

ولقد خاطبت أمّ أحد مُلوك الطوائف ابنها وقالت له – حين سُلب سلطانه-

إبكِ مِثْلَ النساء مُلكاً مُضاعاً

لم تحافظ عليه مِثْلَ الرجالِ

وقد يصعب على أبناء الألفية الثالثة للتصديق بأخبار الانكسارات الفظيعة التي يذكرها التاريخ لبعض الحكام فنقول لهم :

-2-

نقرأ في سيرة الملك فيصل الثاني اخر الملوك في العراق – انه ألف كتابا أسماه (أساليب الدفاع عن النفس) ، وكان ذلك في عام 1950 وكان الكتاب قد طبع على آلة الطابعة .

وعند اتمام الطبع رغب الملك ان يجلّد (50) نسخة فقط من هذا الكتاب ، وان توضع العناوين عليها بماء ذهبي، ليقوم باهدائها الى الملوك والرؤساء والى كبار الشخصيات العربية .

لقد طلب عبد الحميد زاهد – المُجلِّد – خمسين ديناراً فقط لانجاز ما أراد الملك ،غير أن (عبد الاله) – خال الملك – لم يوافق على صرف المبلغ المطلوب لبهاظته ..!!

وقد حزن الملك على عدم موافقة خاله تخصيص هذا المبلغ الزهيد ..!!

فيصل الثاني /احمد فوزي/ص126

-3-

وأقرأوا ما كتبه الاستاذ السيد احمد الحبوبي في كتابه (أشخاص كما عرفتهم ) ص 150 – 151 حيث قال :

{ راجت تجارة التهريب من ايران ويتولاها ضباط من الجيش العراقي يهرّبون السجاد والسكاير وغيرها ، وتتردد أسماء كبيرة من الضباط متورطة في عمليات التهريب …

وقد اوليتُ أنا والمرحوم عبد الهادي الرواي (وزير الشباب)

هذا الامر اهمية كبيرة وجمعنا ادلة وبراهين ومستندات ضد ضابط كبير في الشمال …..

وذهبتُ انا والراوي الى (طاهر يحيى) في مكتبه ، وعرضنا عليه ما عندنا من أدلة ومستمسكات وادانه ضد الضابط الكبير الذي تولى قيادة الجيش في كردستان العراق ، وتجاوب معنا (طاهر يحيى) وكأنه صدم من هذه المعلومات ،

ونحن جلوس رنّ تليفون (طاهر يحيى) …. ورفع السماعة ، وما ان عرف المتحدث حتى صاح بصوت عال :

( أهلاً … أهلاً بالبطل ..)

وراح يُثني ويطنب على شجاعة البطل المغوار ، ويعدد انتصاراته الباهرة …

واذا بهذا البطل المتحدثّ هو عين الشخص الذي جئتُ والراوي الى (طاهر يحيى) من أجل ان يضع حداً لتجاربه الواسعة في التهريب …

وضع (طاهر يحيى) السماعة، ثم التفت نحونا ونظر في وجهيْنا واذا بنا نحن الثلاثة وبوقت واحد ننطلق بضحكه عفوية مدوية .

ثم قال مداريا لموقفه المخجل :

( يا اخوان شسوي … مو بيدي … أرجوكم قدّروا موقفي )

فاذا كان (طاهر يحيى) -وهو رئيس الوزراء يومذاك – يعترف ان الأمر ليس بيده، ولا يقوى على اتخاذ اي اجراء، فان ذلك يعني ان سيطرة (المافيات) موجودة في كل الأمكنة والازمنة ، وانها فوق ارادة الحكّام ..!!

-3-

ان الفساد المالي والاداري في العراق الجديد بلغ حدّاً لم يشهده العراق عبر تاريخه الطويل .

ورموز الفساد معروفون …

ورجاله يصولون ويجولون فلماذا لم تمتد لهم يد الحساب والمساءلة ؟

ولماذا يُغضُّ النظر عن المليارات المنهوبة من ثروة العراقيين ؟

انها احدى المصيبتين :

إمّا ان تكون القدرة على محاسبتهم مسلوبة ،

واما ان يكون هناك نحو من أنحاء المشاركة في عمليات القرصنة .

-4-

ومن نافل القول التأكيد :

على أنَّ مطاردة المفسدين ومحاسبتهم، واسترجاع ما نهبوه من الثروة الوطنية، لابُدَّ ان يكون من اولويات الحكومة الجديدة .

انه من أجلى البراهين على حزمها ونزاهتها وقوتها ، وقدرتها على التغيير المنشود .

*[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات