21 ديسمبر، 2024 7:40 م

لها مراسم خاصة غير موجودة في أية مدينة أخرى في هذا العالم الواسع الشاسع ، الممتد على كرتنا الأرضية .. انها كربلاء التي ارتبط اسمها بمأسآة تأريخية أليمة تمثلت بمقتل ابن بنت نبي المسلمين محمد (ص) وثلة من أهل بيته وصحبه في قضية رأي وعدم تأييد للحكم انذاك .. هذه الحادثة التي وقعت في سنة ( 61 هـ) ما زالت حية في ضمائر ومشاعر العراقيين بحيث يحيون أثرها سنوياً في عاشوراء .. إلا أن الأحياء لهذه المناسبة في الحقيقة لم يقتصر على شهر الأحزان وحسب ، بل أصبح اسبوعياً وقد يكون يومياً فالمآتم تنصب في فناء صحن الامام الحسين عليه السلام ، وكذلك في فناء صحن أخيه ابي الفضل العباس الذي أستشهد معه وبذل نفسه دفاعاً عن المبادئ التي ضحى من اجلها أخوه الذي لم يرتضي الظلم وفسق الحاكم .. واذا كانت الزيارات المليونية في العاشر من محرم إحدى شواهد العراقيين في إحياء مناسبة استشهاد الامام الحسين عليه السلام .. ومن ثم احياء ذكرى الاربعينية في العشرين من صفر ، فأن أيام الخميس من كل اسبوع تشهد توافد آلاف من الزوار إلى المرقد الشريف لأداء مراسم الزيارة وتجديد الولاء لأهل البيت عليهم السلام والبراءة من اعدائهم ..
وفي ليالي الجمع هذه وعند حلول صلاة المغرب يحتار الزائر في كيفية الحصول على بقعة يؤدي صلاته فيها من شدة الزحام .. ويُعد الفوز بنصف متر من الأرض توفيق ورحمة ، حيث تؤدى صلاة الجماعة التي يسعى الجميع للفوز بثوابها . ومع أن هذه المدينة الباسمة ابدا بوجه زائريها ، التي تختزن من الحزن ما يضاهي الجبال ، إلا انها فاتحة ذراعيها لزوار المراقد الشريفة .. حيث تستقبلهم بجموعهم وحشودهم وتوفر لهم الخدمات التي يصعب توفيرها في المدن الأخرى ، وأهمها المياه الصالحة للشرب والخدمات الصحية والإطعام وحتى مستلزمات المنام من أفرشة وأغطية وفي جميع الفصول دون استثناء . إن التوسعة الجارية في صحني الإمام الحسين وأخيه العباس عليهما السلام يجعل من طقوس الزيارة ومراسمها أكثر يسراً وتدخل السرور إلى نفس المواطن العراقي الذي يقصد كربلاء من مختلف أنحاء البلاد . ومن المراسم الأخرى التي تتوافر عليها هذه المدينة المقدسة انها تقدم لزائريها الطعام تبرعاً خلال ليالي الجمع وتعلو اصوات منائرها ومآذنها بالتكبير والتهليل وقراءة آية من كتاب الله .. إضافة إلى مواعظ دينية من شأنها أن ترشد الزائر المسلم وتنبهه إلى ما لم يلتفت إليه وتوجهه للالتزام بتعاليم الدين الحنيف . الكل هنا في هذه المدينة يستذكر بألم تلك المأسآة ، ويحمل الحزن في داخله ليظهر على شكل دموع أو اسهامات بـ(الصلاة على محمد وآل محمد) التي تدحر أعداء آل رسول الله ( ص) كما يعتقد الجميع .
ان السياحة الدينية التي تنطلق إلى هذه المدينة اسبوعياً تجعل منها المدينة السياحية الأولى في العراق .. وربما في بلاد العرب اذا ما قورن عدد الداخلين إليها .. وحجم الأنفاق ، بغيرها من المدن ، كما ان دوران عجلة الأقتصاد من خلال التسوق والانفاق على التنقل والاطعام وبقية الخدمات يسهم بشكل واضح في انعاش الوضع الاقتصادي في المدينة وهو ما يجب أن يكون محط أنظار واهتمام المعنيين في تطوير السياحة في العراق حيث يمكن أن نطور مقاصد سياحية أخرى بحيث تستقبل نفس هذا الزخم وهذه الأعداد من الوافدة ، ولكن لأغراض أخرى .. فمدننا العراقية مادة خام لصناعة سياحة واعدة ومتميزة ، لتنوع المقاصد فيها وأهميتها اذا ما جرى استثمارها واستخدامها بشكل صحيح .. ان مدينة كربلاء المقدسة انموذج فــذ لمدينة دينية ، ومدينة سياحية ، ومدينة سمحة تستقبل كل هذه الجموع ولا تسمع أو تشعر فيها بكلل أو ملل .. إنها المدينة المباركة التي يقصدها الجميع للحصول على تلك البركات .