احاول في هذا الجهد المتواضع ان اسلط الضوء على مرحلة صعبة من تاريخ العراق مستعيناً بأشخاص لديهم معلومات موثقة احاول ان أقاطعها مع بعض خدمة للحقيقة وأهمل منها غير المقنع والمتجني والشامت، فنوري المالكي وبجردة حساب منصفة له لابد ان تتم مراجعة فترة حكمه الثمان سنوات التي حكمها بموضوعية ليس للنيل منه وإنما من أجل العراق ومستقبله وتاريخه ولكي لا نتحدث تحت ضغط وتأثير العواطف الطائفية او الشخصية وإنما بتجرد منصف للرجل وللتجربة ولنوثق للتأريخ هذه الحقبة التي تمتد من ٢٠٠٦-٢٠١٤ من تأريخ العراق وأدعو هنا من يقومني او يصحح من خطأ يراه للتوثيق وليس للرأي، فالآراء حول الرجل متضاربة ويصدم بعضها بعضاً فمنهم من يحبه ويعشقه ولا يرى فيه من خطأ وان كان فيه بعض منه فإنه يلتمس له العذر، وآخرون يرون فيه أخطاء متراكمة وأزمات مفتعلة لم يكن مضطراً لها بل هي جزء من عقليته وفكره، وهذا أيضاً يدخل في باب الرأي وهو ليس موضوعنا هنا.
سابعاً. دخل المالكي في صراع مع السنة في العراق الذين يقف السياسيون منهم موقفاً طائفياً لا جدال فيه مستعينين بالاستقطاب الطائفي الذي يميز المنطقة والموقف المتدهور في العلاقة مع ايران. أعطى المالكي صورة سيئة جداً عن الشيعة وشوه العلاقة بينهم ولم تنفع كل محاولات قادة الفصائل الشيعية ورجال الدين في تصحيح الصورة النمطية التي تشوهت، وأنهم لا يصلحون للحكم وبعد ان كانوا مظلومين أصبحوا ظالمين ودخلت على هذا الصراع أجندات إقليمية طائفية غذتها قطر والسعودية ثأراً للسنة في العراق، لا أحد يُنكر ان المالكي كان ينطلق من منطلقات ودوافع سليمة في الحفاظ على الشيعة وترسيخ حكمهم، لكنه كان فاشلاً في استخدام الأدوات التي تمكنه من ذلك، وكان في الغالب يستخدم خطوات إستعراضية لا تحقق فوائد إستراتيجية وإنما دعاية إعلامية شعبية، وتعامل مع قلاقل المنطقة الغربية بتعالٍ وغرور ووصفها بوصفات لا تتناسب مع مقام رأس الدولة، وتحدث من كربلاء بان جيش الحسين يقاتل جيش يزيد في تزوير ومصادرة واستخفاف غريب بعقول الشيعة، وإستخدام مفرط في العواطف الدينية وتأجيجها لأغراض سياسية وإنتخابية، وأمعن في إذلال قادة السنة بطريقة غير عاقلة ثم قدم تنازلات مُذلة لهم وأصبح يبعث لهم مبعوثين للوساطة وقدم مليار دولار لزعماء العشائر إضافة لوعود بإعادة بناء ما تهدم من مدينة الفلوجة لإطفاء الحرائق السياسية التي نشبت بسبب سياسة الأزمات التي كان يفتعلها المالكي، لكن الامر لم يعد يُجدي نفعاً حيث تمكنت داعش والقاعدة والتنظيمات المسلحة من الوضع مستفيدة من الغضب السني الشعبي ولم يعد هناك قائد سني واحد يمكن الحديث معه ولم يعد ٣٦ شخصا من تنظيم القاعدة كما أدعى المالكي بل اصبح العدد بالآلاف وتساقطت مناطق الغربية مثل أحجار الدومينو الواحدة تلو الاخرى وفتحت الحدود على مصاريعها مع سوريا لتنتقل المجموعات المسلحة بسهولة.
المالكي استهدف رافع العيساوي ومن قبله طارق الهاشمي بطريقة غبية على الرغم من وجود ملفات على طارق والعديد من الزعماء السنة وضلوعهم الفعلي بالإرهاب، لكن المالكي انفرد في اتهام طارق دون ان يشاور رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب او مسعود بارزاني لذلك لم يقف معه احد في خصومته مع طارق وتحول الموضوع الى طائفي بامتياز حيث استطاع طارق ان يشحن الشارع السني وايضاً استفاد المالكي ليشحن الشارع الشيعي ويقسم المقسم أكثر حيث حصدها برصيد انتخابي مقابل إحداث شرخ كبير في الوضع الداخلي، والغريب ان ألمالكي كان لديه ٧ ملفات اتهام على الدكتور سليم الجبوري واستطاع بتأثيره في القضاء ومفوضية الانتخابات ان يوقف مصادقة عضوية الجبوري لمجلس النواب الى ان تم ابتزازه بان يخرج للإعلام ليصرح بأنه لا مانع عند كتلته ان يأتي المالكي لولاية ثالثة مقابل إسقاط التهم كلها عنه دفعة واحدة، وفعلا تم ذلك وكافئه المالكي بأن رَوّج لترشيحه لرئاسة مجلس النواب، وأعطى المالكي تعليماته لإئتلاف دولة القانون بأن يصوتوا لسليم الجبوري في جلسة الاول من تموز حيث لم يُطرح الاسم ريثما يتم الاتفاق السياسي، وحدثت المفاجئة الكبرى وهو ان سليم الجبوري قد تعهد للإتلاف السني الذي اجتمع مساء يوم ١٢ تموز على مائدة الإفطار عند اسامة النجيفي بأنه لن يسمح للمالكي بالحصول على الولاية الثالثة، عندها استشاط المالكي غضباً واجتمع بدولة القانون صباح اليوم التالي ليطلب منهم عدم التصويت لسليم الجبوري لأنه إرهابي وعليه ملفات إرهاب في تذبذب جعل الكثيرون من دولة القانون يقتنعوا بان الرجل فقد توازنه وكان هذا بداية الشرخ في دولة القانون الذي أثمر عن تفكك موقف الكتلة في دعم الولاية الثالثة، ولم تتم المصادقة على الجبوري في تلك الجلسة إلاّ بعد يومين حيث تمت المصادقة عليه ضد رغبة المالكي حيث لم يلتفت الى رأيه أي احد من التحالف الوطني.