25 فبراير، 2025 3:23 ص

مراجعة في حوار ذاتي

مراجعة في حوار ذاتي

البكاء بعد الاندحار يمثل انكسارا نفسيا يضاف إلى الخلل البنيوي في إنتاج معادلات القوة، المراثي لا تصنع المجد، إنما تجمد التفكير على لحظة مأساة صنعها الفشل التقليدي.
الأبطال الذين يبصمون بدمائهم وأرواحهم على ساحات الانتصار يستحقون المراثي، بشرط أن لا تتحول صور الأبطال إلى أيقونة ثابتة في الذاكرة، يتجدد معها اللقاء سنويا بالمزيد من الدموع والمراثي التي تُثقل وتنحرف عن المعاني الناصعة لتلك “البطولة”، المراثي عادة ما تأخذ حالة التمجيد والتقدير لجهود الأبطال بدءا من مراثي “جلجامش” لصديقه ” أنكيدو ” في ملحمته الشهيرة، حتى مراثي “هوميروس” لبطل الإلياذة “أخيل”، مراثي بقيت في ركن بعيد من الماضي، ولا يستدعيها حاضر الأمم!
التفكير والتفوق في الذكاء والاجتهاد ومسابقة الزمن ذلك ما تهفو له الأمم في صناعة قوتها وسمات وجودها وتميزها في الحاضر، إضافة لخطابها اللافت في التفوق وارتمائها في المستقبل.
سرديات المأساة وخلق بؤر جديدة لرمزيات مقدسة، لا تعطي سوى هشاشة إضافية وشعور بالعزلة والتعاقد الأبدي مع الحزن كمخرج نفسي يغطي مشاعر التوبة والخذلان، ولا يرفع من شأن الذات المخذولة أو المنهزمة.
الأمم اليقظة لا تبك عندما تندحر، ولا تلجأ إلى التعايش مع هزائم داخلية تعللها ب”حكمة” الماورائيات، ثم تعلبها بأوهام التاريخ، بل تقرأ أسباب اندحارها بمواجهة صريحة مع ذاتها الجريحة، ثم تعيد صياغة دورة حياة جديدة محاطة بالقوة من جهاتها الأربع +الزمن!
الشيعية النخبوية أمام لحظة تاريخيّة فارقة، فهل تحافظ على رتابتها المرهونة للذاكرة المنكسرة، والإجماع الاستعراضي الفاقد للقوة، أم تعيد قراءة الأحداث والتعامل مع مقاييس الزمن بعلمانيته وحداثته، بعيدا عن الرمزيات والمقدس، وتذهب باتجاه تحرير فكرها ومشاعرها عن العزلة والتموضع الطائفي، والاندماج مع المواطنية كأحد مصادر القوة والتفكير المشترك لنفض غبار الاندحارات المتراكمة.
واقع الحال يستدعي مراجعة صريحة وشفافة في حوار العلاقة مع السلطة والآخر، وماذا أنتجت من علامات ومظاهر الفشل أم النجاح أم الفساد، سواء للفكر أم الأمة؟
هل يمكن أن يحدث ذلك دون خطاب فكري محدث وجريء ومشذب من محمولات الأزمنة السابقة؟ وهل يسمح البعض المحافظ الذي يرى في هذه الأسئلة – الحياة نوعا من التطرف والمساس بالمقدس!؟
سؤال تجيب عنه النخب الواعية من المفكرين الشيعة المنغمسين بالوطنية وتمجيد الحرية، بكونها الدلالة الأرقى للوجود الإنساني والعيش في المستقبل.

أحدث المقالات

أحدث المقالات