قال الامام الصادق عليه السلام ( ان الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم يصعد منه مرقاة بعد مرقاة ، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء حتى ينتهي إلى العاشرة ، ولا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك ، وإذا رأيت من هو اسفل منك بدرجة فارفعه اليك برفق ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره ، فان من كسر مؤمنا فعليه جبره ) صدق الامام الصادق عليه السلام.
هكذا يؤدبنا ائمتنا في التعامل مع من هو دوننا بحنو وتواضع وكما ان الايمان سلم وارتقاء فكذلك العلم الذي هو احد مراتب الايمان سلم لا يرتقيه الا من كان حسن الخلق طيب الطباع متواضعاً مهما بلغ من مراتب العلم الكثيرة وهذا هو العلم الحقيقي واما ما يتصف به البعض ممن يحسبون على العلماء خطأ من تكبر وعنجهية وغرور فليس من العلم في شيء ف(العربة الفارغة تصدر ضجيجاً اكثر) كما يقول احد الامثال الاوربية وكذلك من يمتلك من العلم قشوره تراه يتكبر ويغتر وعلى كل حال فأن من مراتب العلم التي ارى ان كل طالب علم يمر بها في مراحل حياته المختلفة الاتي:
1- مرحلة طلب العلم: وتبدأ منذ ولادة الانسان نظرياً وحين يدخل اولى خطواته الى المدرسة الابتدائية (او الروضة قبلها) عملياً وتستمر معه الى اخر يوم في الدراسة الاكاديمية ويكون فيها هذا الانسان طالب علم يحضر المحاضرات ويستمع الاقوال والآراء ويحلل النظريات والمعادلات ويقرأ من هنا وهناك بشكل اكاديمي نظامي او قراءة شخصية تثقيفية الى ان يصل الى مرحلة يبدا فيها القدرة على فك رموز ما يقرأ وتحليل ما يرى فينتقل تدريجياً الى المرحلة الثانية.
2- مرحلة تداول العلم: وتبدأ كما قلت حين يصل طالب العلم او المختص في علم معين الى مرحلة يستطيع معها ان يحلل ما يقرأ ويفسر المكتوب والمرئي والمسموع بطريقة تجعله قادراً على تلخيص كتاب ضخم في عدة صفحات او توسيع مقال صغير وشرحه بكتاب كبير مستنداً الى المعلومات التي اكتسبها في مرحلة العلم الاولى (طلب العلم) والخبرة الشخصية المكتسبة لديه في سنين التعلم السابقة ويبدأ طالب العلم في هذه المرحلة (وهو لا زال طالب علم وان اخذ الشهادات العليا وان بلغ ما بلغ من مراتب اجتماعية) بشرح الدروس الصعبة وتبسيطها للمبتدئين وتحويل الدروس من لغات اخرى الى لغته الام مع الشرح والتوضيح وتتطلب هذه المرحلة ان يستمر طالب العلم في مسيرته العلمية فأن التوقف عند مرحلة طلب العلم فقط ونيل شهادة بذلك يؤدي بصاحبه الى الموت علمياً وعدم الوصول الى اي مرحلة اخرى وللأسف هذه احد اهم مشاكل العالم العربي حيث يكتفي معظم خريجي المعاهد والكليات والمؤسسات الاكاديمية الاخرى لدينا بالحصول على الورقة (الشهادة او وثيقة التخرج) ليتوقف بعدها تماماً عن طلب العلم او تداوله او حتى الصعود الى مراتب اعلى محتجين بصعوبة الظروف وعدم اهتمام الدول والحكومات بهم وعدم وجود مجال لتطبيق ما درسوا ويستمر مسلسل الحجج للأسف بلا محاولة حقيقية للنهوض بالنفس والوطن كما فعل غيرنا ونجحوا في ذلك.
3- مرحلة انتاج العلم: وهي المرحلة الاخيرة في سلم العلم التي يبلغها القلة القليلة فقط حين يبدأ الانسان بإنتاج العلم في اختصاصه دون الحاجة الى الرجوع الى ما قال فلان او ما كتب فلان بل يصبح صاحبنا ان واصل مسيرته العلمية بعزم واجتهاد (وبتوفيق من الله تعالى طبعاً ) قادراً على انتاج فهم جديد وعلم جديد وافكار جديدة ومعدات او برمجيات او مخططات او معادلات او نظريات لم تكن موجودة قبله ومن يصل الى هذه المرحلة فقط يحق له ان يسمي نفسه عالماً (ويبقى طالب علم ايضاً حتى الموت فما اوتيتم من العلم الا قليلاً) في تخصص معين ورغم ذلك فأنه لا يمنحه الحق في التكبر والغرور والاحتكار لما رزقه الله تعالى بل ولا يحق له وقد وصل الى هذه المرحلة المتقدمة التوقف عن نشر العلم سواء المكتسب او الاصيل الذي بدأ ينتجه فالتوقف حتى في هذه المرحلة يعني الموت علمياً وللأسف ايضاً هناك الكثير من علمائنا العرب والمسلمين وصلوا الى ما وصلوا ثم توقفوا تحت وطأة ضغوط الحياة او انعدام الحافز او ضعف التشجيع والدعم المادي والمعنوي وبلك تخسر الامة وشعوبها المختلفة ثروات وطاقات هائلة بسبب عدم الاخذ بيد العلماء وطلبة العلم لقيادة الاوطان والاكتفاء بأقصائهم وتهميشهم وابعادهم عن مشهد الحياة العامة ليسهل للجهلة السيطرة والتحكم في رقاب الخلق وانا لله وانا اليه راجعون.
الامر الاخير الذي اود ذكره والتنبيه عليه هو ان العالم العربي والاسلامي عموماً والعراق والشرق الاوسط خصوصاً قد شهد منذ الازل اضطرابات سياسية واقتصادية واجتماعية بشكل مستمر او شبه مستمر ولكن ذلك لم يوقف عجلة العلم والتطور من الحركة والاستمرار في رفد العالم بالعلماء والاساتذة والمفكرين في كل الميادين العلمية والادبية والثقافية حتى وقت قريب الا ان الاضطرابات الاخيرة في المنطقة العربية والاسلامية جعلت الغالبية العظمي من الناس تتجه الى الحديث والتفكير في السياسة والحرب فقط متجاهلين وظائفهم الاخرى وتخصصاتهم الاصلية مما خلق جواً من القصور والتقصير في الواجبات الانسانية الشرعية والاخلاقية والعلمية الاخرى الامر الذي يجب ان نتداركه سريعاً قبل فوات الاوان فالعلم كان منذ القدم يسير مستقلاً عن السياسة والحروب والاقتصاد وهكذا فقط نستطيع ان نستمر في الحياة فلا يمكن بحال من الاحوال ان تتوقف الحياة فهذا ما يريده تجار الحروب ومدبري المؤامرات وشياطين السياسة ولا يمكننا بل لا يجوز لنا ان نعطيهم ما يريدون.