في مثل هذا الوضع المتشنج والعصيب ليس بالهين أبداً أن يصدر مثل هذا القرار الشجاع كما أعلنته قيادة عمليات بغداد بصدور مذكرة القاء قبض بحق السيد مقتدى الصدر وآخرين , هذه الخطة بحد ذاتها تمثل تجسيد واقعي وتفعيل للقانون بعيداً عن المجاملات والمحاباة السياسية التي تسببت بالضرر العام لمواطن , وأنا اعتبرها مرحلة إصلاحية مهمة اشترك في صياغتها الحكومة والمواطن معا , المواطن من خلال مطالباته وتظاهراته السلمية لتفعيل القانون وإبراز هيبة الدولة , والحكومة من خلال اصغائها للمواطن بشفافية واستلهامها الشجاعة منه , فالقانون يسمح بالتظاهر والتعبير عن الرأي والفكر لكن هذا السماح ضمن اطر وحدود لا ينبغي للمواطن او من يقود التظاهرات تجاوزها بأفعال لا تعبر عن روح الديمقراطية بشيء من خلال العنف والتخريب والتهديد بالسلاح والاعتداء على ممثلي الشعب وتعريضهم للأهانة والتحريض المستمر والاقتحامات لمؤسسات الدولة , وبما ان العراق والشعب العراقي جديد عهد على الديمقراطية وتحكمه الانتماءات والولاءات فوقها المسؤولية التي على عاتق الرجل الأمني كل هذه تشكل عوامل للضغط يتنج عنها ردود أفعال اغلبها منفلتة تعرض حياة رجل الأمن والمواطن للخطر وكما حصل في التظاهرات والاقتحامات السابقة راح ضحيتها عدد من أبناء العراق ما كان ينبغي ان نخسرهم لو كان القائمين على قيادة التظاهرات على مستوى عالي من الفهم والوعي والوطنية والشعور بالمسؤولية
أبرزهم رجل الدين السيد مقتدى والذي للأسف الشديد لم يعرف كيف يوظف أتباعه ليكون محوراً فاعلا في عراق ديمقراطي آمن فقد كان على طول الخط الرمح في الخاصرة فلا هو رجل دين مختص بالفقه والاحكام الشرعية ولا هو رجل سياسية يفهم المرحلة الأولى من أبجدياتها يكتنف وضعه الغموض تارة والانقلاب السريع تارة أخرى , وتارة أخرى يمد يده بيد من اتفق العراقيون والشيعة خصوصا على خطرهم ومواقفهم السلبية تجاه العراق وحكومته , فالسيد مقتدى من مشارك ومساهم في الحكومة والبرلمان الى منتفض مستغلاً للتظاهرات التي بقيت لمدة ليس بالقليلة محافظة على سلميتها , وانتفاضه هنا لم يكن سلمياً او دستورياً ولا حتى قانونياً بحدود العرف العام , فمن ناحية تهديده للسلم المجتمعي والدفع به باتجاه حافة الانهيار اضف الى ذلك توقيته الغير مناسب بالنسبة للحكومة وأجهزتها الأمنية وقوات الحشد المنشغلة بالحرب ضد الإرهاب الذي اغتصب أرض العراق , الأمر الذي يعد بمثابة الدعم والانتصار وتقديم العون للأرهاب المتمثل بداعش سوى أشعر بذلك أم لم يشعر , وهذا الشعور وعدمه يعكس العقلية التي لا تتمتع بأي مؤهلات سياسية فضلاً عن الشرعية , لذا فان صدور مذكرة الاعتقال بهذا الوقت بالخصوص تمثل حلاً ناجعاً لحقن الدماء وترسيخ لهيبة الدولة وتجسيد قيم القانون والقضاء وكذا فهي رسالة قانونية تؤطر وتهذب التظاهر كحق مكفول دستورياً بعيداً عن التهديدات والمناكثات والاعتداءات على المال العام وتعريض المواطنين والتغرير بهم ودفعهم واستغلال عواطفهم للخطر من أجل تحقيق منافع ضيقة لا ترقى لطموح الشعب العراقي .