23 ديسمبر، 2024 5:40 ص

ثمانون يوماً مضت على خروجي من غرفة الاعدام نِصفَ ميّتٍ يحوم فوق الأزقة ..
ملوحة دموعي هي الشاهد الوحيد على عدم موتي فدموعي لا تزال حارقة ومالحة …
وذلك الفراغ الذي في قلبي.. لا يزال يهتف بموتي ولا أزال اتجاهله .. سأقاوم موتي .. سأُنكِرُهُ .. سأتغافل عنه لئلا تتمزق صورة معشوقي التي نحتها على كل خلية من خلايا دماغي ..
تسرّب الظلام من قلبي .. كلّ الأزقة صارت مظلمة إلا الزقاق الذي ينتهي بدار معشوقي .. لا يزال مضيئا بزيت دموعي وآلامي ..
على رأس الزقاق ستنتعش ذاكرتي .. سأستعيدها رغماً عني وعن حرّاس الموتى ..
أتذكّر جيداً لقائنا الأوّل … أتذكر سحر جماله الذي أخرس لساني وشلّ عقلي حتى رجِعتُ أدراجي منبهراً …
أتذكَّرُ أنّه مولَع بتعذيبي مذ لقائنا الأوّل ..
أتذكَّر أنّ حزني بدأ مذ اسبوعنا الأوّل ..
القلقُ حطَّمَني .. كلّ مَن حولي فرحون به إلّا أنا .. سأجلس في زاوية بلا طعام ولا شراب ..
القلقُ طعامي .. ودموع الحزن المكتومة في صدري شرابي ..
أتذكر جيدا أني لم أفهم همهمتهم ولا صراخهم … ثمّة سؤالٍ قاهرٍ قد قتل عقلي : لماذا وافَقَ هذا الملاك على لقائي وأعلَنَ أمام الملأ قبولي ثمَّ بكى خوفاً منّي؟ إن لم أكن لائقا به لِمَ لَمْ يرفضني ؟ ما المبرر لخوفه وأنا أسيرٌ بين يدي جمال روحه لا حول ولا قوّة لي …
سؤال أعرفُ مبدَأهُ دون منتهاه .. ومتاهة عرِفتُ كيف أدخلها وأضَعتُ مخارجها ..
كلّ رهاني كان على الوقت .. نعم على الوقت !
بمرور الأيام سيُدرك حبّي وإخلاصي وستندثر على أعتاب الحب كل مخاوفه ومعها كلّ أحزاني.. هذا كلّ رهاني ..
مرَّت الأيام … ومرّت الأسابيع ولا أزال عالقاً في متاهتي …
يا لحسرتي إذ لم يُحسِن الحبيب سماع نبضات قلبي ..
يا لحسرتي إذ أشاح بوجهه وأنا أبوح بمشاعري ..
يا لحسرتي وأنا أراه يفتح قلبه للوشاة الذين مزقوني بسكاكين يتسترون عليها في افواهٍ مسمومة ..
يا لحسرتي وأنا أراه يبتعد عني فأبوح له بمخاوفي ولن يزداد إلا بعدا ..
يا حبيبي إذا استمعتَ لأصدقاء السوء أخشى أنّك لن تبقى معي ..
يا حبيبي إذا لم تستمع لدقّات قلبي أخشى أنّك ستمقتني ..
مرّت الأيام سراعاً وكلّ مخاوفي قد تحققت .. ظلّ يُجالِسُ الوشاة … ظلَّ يُكذِّبُ مشاعري … ظلَّ يهزأ بي ويستخفُّ بمظهري ..
في آخر الزقاق … على عتبات باب داره سأتذكر مشهد اعدامي ! حينما أدار ظهره لي…
سأطرق الباب بكفّ ميّتٍ لن يسمعها الأحياء ! سأسقي القبر الذي أحمله بين ضلوعي بآخر ما تبقى من مالح دموعي
سأعود أدراجي أحمل نعشي بنفسي .. أسير في هذه الأزقة وكلّ الأزقة مظلمة إلّا الزقاق الذي يضيء بزيت دموعي وآلامي …