9 أبريل، 2024 5:18 ص
Search
Close this search box.

مذكرات حلم (7) : بركات الهاتف الأخضر !

Facebook
Twitter
LinkedIn

ليس المشكلة في وجود الفساد بل المشكلة الكبرى في التسليم له .
ما كدت أجلس في منصبي الجديد وفتح مكتبي أمام الموظفين أو المراجعين ومتابعة قضاياهم ومشاكلهم لحلها وتجاوزها والإرتقاء بعمل الشركة حتى توافد العديد من الشخصيات العامة والخاصة وممثلي بعض الأحزاب وممثلي بعض المسؤولين وحتى من يدعون أنهم شيوخ عشائر أو ممثلين لهم وكذلك بعض المعممين ومعهم إدعاتهم الكبيرة بأنهم يمثلون أكبر علماء البلد ! والكل يطلب مني تجهيزه بمواد إنشائية خارج نطاق صلاحياتي والقوانين التي تحكم تجهيز المواطنين بالمواد الإنشائية فهذا يطلب أطنان من الحديد لبناء مقرات وأخر لمشاريع للأيتام والمساكين وثاني لبناء مساكن للأرامل والمحتاجين وهذا لبناء جمعيات للرعاية الإجتماعية والآخر متبرع لبناء مسجد حتى وصل الآمر لأحد رؤساء العشائر طالب بمئتي طن حديد (كلهم يطالبون بنفس الكمية تقريباً ؟!) لبناء مظيف للعشيرة ! وجميعهم لا يتقبلوا إعتذاري وحججي وأسفي وكلهم يخرجون غاضبين وزعلانين وكان ذلك يتعبني كثيراً خصوصاً أني قد قررت الرجوع الصارم الى الأنظمة والقوانين الحاكمة لتجهيز المواطنين ودوائر الدولة والتي كانت قد انتهكت منذ أحداث عام 2003م .
وفجأة بداء الزوار يغيروا من لهجتهم ويكتفوا بالسلام وشرب فنجان القهوة ويدعون لي بالنجاح والصلاح والموفقية…! و بدأت أعدادها بالتناقص التدريجي الأمر الذي لم أكن افهمه ! ما الذي حدث هناك تغيير واضح جداً حتى إني كنت أسائل الزوار عن حاجاتهم كي أقضيها لهم إن كان ذلك ضمن صلاحياتي وبموجب القانون إلا أن جميعهم كانوا يعتذرون ويؤكدون عدم حاجتهم إلى شيء غير (دعمي) إن أحتجت له !!!
أثارني هذا التغيير المفاجيء فأرسلت إلى سكرتير مكتبي وأبلغته بهذا التغيير الغامض ؟!
تبسم ضاحكاً من قولي ثم قال لي : إلا تعرف السر ؟ ألم يبلغوك بسر الهاتف الأخضر ؟!
ـــ أي هاتف أخضر الذي عمل هذا التغيير الرائع ؟
أشار بيده إلى (هاتف أخضر قديم) مركون على المنضدة المجاورة لمكتبي بجوار هاتفين شغالين ولم يكن ليعمل حيث أنه بلا حرارة حتى إن سلكه متدلي إلى الأرض ولم يكن متصل بالشبكة أصلاً وكان بقائه في مكتبي مجرد (ذمة) مجرودة على المكتب وكنت قد أمرت بحفظه في أحد دواليب المكتب لعدم فائدته !! ثم قال لي موضحاً بسخرية
ـــ انها من بركات الهاتف الأخضر هذا !!
ـــ بركات الهاتف الأخضر !!!!!
ـ نعم كم كان يتعبك الزوار المزعجين وطلباتهم وتهديدات بعضهم ؟ كان ذلك يزعج كل العاملين في المكتب خصوصاً ونحن نعلم إن غالبيتهم مدعين ومحتالين و وصوليين!ّ. وللتخلص
من كل أولئك إخترعنا قصة الهاتف الأخضر هذا و وضعناه على يمينك وقدمناه على الهاتفين الصالحين وكنا نعلم إنك دائماً تسجل أسماء زوارك وعناوينهم الوظيفية ودائماً تسجل الملاحظات في مفكرتك وبعد خروج الزوار تعطي توجيهاتك لنا بشأن قضاياهم و مشاكلهم ومطالبهم … كل ذلك كنا نعرفه عنك …
ـــ وماذا ينفعكم كل هذا …؟!
ـ كنا نعرف الضيوف الثقلاء والذين يدعون إنتمائهم وتمثيلهم للمسؤولين والقادة السياسيين ورجال الدين ورؤساء أحزاب وكنا نأخذ بعض المعلومات منهم قبل دخولهم عليك ونحدد إنتمائهم أو (إدعائهم) الإنتماء والتمثيل ونطلب منهم الإنتظار ريثما يتناولون فنجان القهوة . وفي هذه الإثناء يجلس أحد موظفي المكتب إلى جانبه مدعياً أنه قريب من الجهة التي يمثلها الضيف ومن ثم يدلي له بنصيحته أحذر (المدير العام) فهو على إتصال مباشر عن طريق الهاتف الأخضر بالسيد (فلان) والذي يمثل مرجع الضيف وسيتصل به حال خروجك من زيارته ويستعلم منه عنك ويعطيه أسمك بالكامل ؛ وإذا لم يكن له مرجع سياسي أو رسمي يدعي تمثيله يقولون له إن المدير العام على إتصال مباشر مع أحدى الجهات الأمنية عن طريق الهاتف الأخضر وسوف يسجل ملاحظات عنك وقد يكتب حتى أوصافك وهناك كاميرا سرية تسجل اللقاء بالتفصيل فكن حذراً منه ولا تكلمه إلا بما أنت متأكد منه لأنه سيتصل بقائد الجهة الأمنية ويبلغه عنك … وهكذا نجهزه أن يكون صادقاً وصريحاً ومباشراً وكثير منهم ينسحبون قبل الدخول عليك متذرعين بعدة حجج ومنهم من يكتفي بالسلام عليك والدعاء لك !!!
أمسكت الهاتف الأخضر بفرح وأنا أقول له … بركاتك يا شيخ !

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب