9 أبريل، 2024 1:17 م
Search
Close this search box.

مذكراتي”سيرة أحمد باني خيلاني”٢

Facebook
Twitter
LinkedIn

تعتبر مذكرات المناضل الراحل ”أبو سرباز” باكورة نتاجه الفكري والسياسي والتاريخي لأنها جسدت سيرة حياته النضالية والشخصية . واصبحت في متناول القراء والمتابعين للاطلاع أكثر على سجايا هذا المناضل ، الذي لاغبار عليها في محطات حياته كأنسان ومناضل مضحي ، لكن هذا لايعني أن تكون الصفحات بيضاء ناصعة لقد تخللتها هفوات وعثرات كسيرة أي مناضل . ولا سجال على سجاياه ومناقبه بما تفرد بها من دماثة خلق وأدب جم وتواضع في منتهى البساطة ، لكن للسياسة فذلكة ومناورة وصنعة في رسم دروبها . وعلى حد قول أفلاطون ” لايصلح العلماء والفلاسفة ورجال الدين أن يكونوا رؤوساء وقادة أحزاب ”. في كتاب سيرته المعنون مذكراتي المكون من ٤٥٩صفحة من القطع المتوسط إضافة الى الصور والفهرست .

الكتاب ترجم الى اللغة العربية بدون ذكر للمصدر أو الجهة المسؤولة التي أقدمت على ترجمة الكتاب من اللغة الكردية لغته الأم الى اللغة العربية ليسهل تداوله بأوسع شريحة من مجتمعنا السياسي ” الحزبي ” لكن للآسف هناك أخطاء مطبعية ولغوبة وإملائية واضحة للعيان ربما تأثر هنا وهناك على بناء الجملة وربط الحدث وسياقه . في قراءتي المتأنية والمتواضعة لتفاصيل الكتاب وما تضمنه من مواقف وأحداث ، كانت لزاماً عليه أن أتوقف عند بعضها والتي عشتها شخصياً عدة أعوام ، عندما كان المرحوم أحمد باني خيلاني ( أبو سرباز ) عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي والمسؤول الأول في قاطع سليمانية وكركوك وفي حينها كنت نصيراً في مقر القاطع .

انتقالنا الى شاربازير … في صيف عام ١٩٨٥ انتقلنا الى مناطق شاربازير وتركنا مقراتنا في جبل سورين على إمتداده ، هزارستون ، باني شر ، خورنوزان ، كرجال . هنا سأتوقف في مراجعة مذكرات أحمد باني خيلاني المعنونة ”مذكراتي ” والتي يروي بها واقعة ”خورنوزان ” والذي كنت أحد حراس ذلك الراقم الجبلي المطل على قرية ” شي رمر ” الواقعة في يسار الشارع العام الذي يؤدي الى قصبة ”حلبجة ” المنكوبة بالسلاح الكيمياوي . في عام ٢٠٠٩ ألتقيت بالمرحوم قادر رشيد ” أبو شوان ” في بيت الرفيق سالم الشذر بالعاصمة السويدية ” ستوكهولم ” وكنت بصحبة الصديق والإعلامي حميد عبدالله لفتح ملف جريمة ” بشتاشان ” لحساب قناة البغدادية ، وقد رأيت المرحوم أبو ” شوان ” زعلان عليه ومعاتباً على عدة ردود حول كتابه ” بشتاشان بين الألم والصمت ” وكان ردي بعنوان ” بشتاشان بين الواقع والخيال ” ومن ضمن ما تطرقت حوله هو ما ورد في كتابه حول واقعة ” خورنوزان ” وصوبت له المعلومة بالدقة لاني كنت في تلك الليلة في ذلك الراقم الجبلي وفي طبعة لاحقه أخذ الرجل بتلك المعلومات التي زودته بها ونشر صورتي في متن الكتاب ، وكان مستقصي تلك المعلومات من أسماء أنصار لم يكونوا معنا ليس في الراقم وحسب وإنما في الموقع لاوجود يذكر لهم . والمرحوم أبو شوان تفهم الموقف والحال مما ذوب تل الثلوح في حرارة علاقتنا . أضطررت أن أقدم هذا الشرح المختصر ليتسنى للقاريء قصد من معرفة ما وراء ذلك . سيكون صلب موضوعنا مذكرات أحمد باني خيلاني ، الذي مر على تلك الواقعة في مذكراته وللأمانة التاريخية والأخلاقية أن أدلوا بدلوي بمثابة شهادة للتاريخ …. وأيضاً حتى لايفوتني في لفت إنتباه القراء ، إن الحوارات التي أقتبستها من متن كتاب ”مذكراتي ” تركتها مثل ماهي في الإملاء والبناء .

في صفحة ٤١٢ يذكر أبو سرباز تفاصيله حول تلك الواقعة في خورنوزان ……….. كالتالي .

” كانت مقراتنا لا تزال في سفوح جبل سورين عندما بدأ قصف مدفعي كثيف في تمام الساعة العاشرة مساء من ليلة ٢٤/ ٦/ ١٩٨٥ أستهدف سلسة الجبل باكملها واستمرت لغاية منتصف نهار اليوم التالي مضرمة النار في الوديان والمرتفعات وتصاعد الدخان من كل مكان . لقد كان القصف المدفعي شديداً وكثيفاً الى درجة لم يتمكن لا نحن ولا الاخوة في البارتي ”الحزب الديمقراطي الكردستاني ”من زيارة المقرات القريبة منا ” وتصورنا بأنه قد يكون هنا هجوم واشتعال في جبهة الحرب العراقية الايرانية . وبعد ظهر ذلك اليوم أرسلنا مفرزة الى قمة الجبل للاطلاع على ماهية الامور ، وقد تبين لنا بأنه كان هجوما لقوات السلطة على مقرنا ومقر البارتي ” حدك ” في خورنوزان . وكانت هناك حراسة مشتركة بيننا وبين حدك على قمة الجبل وتبين لنا فيما بعد بأنه في غفلة من الحارسين تسلل المرتزقة الجحوش الى قمة الجبل فيما دفع بالحارسين الانسحاب من مكانهما دون أية مقاومة بغية أبلاغ المقرات بالهجوم على حد قولهما ، ولكن واقع الحال أن تلك المجموعة من المرتزقة الجحوش كانوا طلائع للقوة المهاجمة قدموا للاستطلاع ولما لاحظوا خلو المنطقة من الكمائن والدفاعات اقدم الجيش والمرتزقة على الهجوم واحتلال المرتفع ومن ثم شنوا هجوما اخر على المرتفع الثاني واحتلوه دون مقاومة ايضا . وعلى اثر احتلال المرتفعين المذكورين ، قام رفاق الحرس باخبار القيادة في خورنوزان بهجوم الجيش واحتلال المرتفعات وضرورة الانسحاب ليلا الى المناطق الخلفية وفعلا انهم تركوا القاعدة وبقوا خلف المقر بمسافة بعيدة واحتموا ببعض الكهوف الصغيرة والاحجار الكبيرة ونتيجة القصف المدفعي المستمر لم يستطيعوا التحرك الى الليلة التالية وبدون غذاء ووصوا مقرنا ” كه رزال ”وبعد ذلك فكرنا نحن وحدك من نقل قوتينا التي كانت في خورنوزان الى منطقة قلعة شميران قرب الجانب الشرقي من سدة دربندخان وعبر الاراضي الإيرانية بمساعدة الاخوة في حدك وبالنسبة لمقر القاطع أصبحت حركتنا محصورة جداً أو شبه مستحيلة وبالاخص خلال النهار ، وقد دفعنا ذلك نحن والاخوة في حدك الى التقكير الجدي بنقل مقراتنا الى مناطق شاربازير ”.

هذا ما تذكره أبو سرباز في مذكراته الصادرة عام ١٩٩٥ . ولكن لي قصة ورواية أخرى مستندة على تجربتي العملية الميدانية في صلب الحدث ، سيما وأنا كنت من ضمن المجموعة التي كمنت في تلك الليلة في هذاك الراقم الجبلي . ثيمة شهادتي على تلك الواقعة حقيقية وبلا رتوش .

في ربيع عام ١٩٨٥ كنت ضمن تنظيمات الداخل على حساب المنطقة الوسطى ، وعندما أقول المنطقة الوسطى يعني تشمل مناطق بغداد ، ديالى ، الرمادي ، الكوت . في مقر هزارستون ( آلف دنكه ) . كنا في يومها أي يوم الهجوم على الرواقم الإيرانية المطله على مقرنا أنا لطيف ، ابو حاتم ، دكتور إبراهيم ، الشهيد أشتي ، الشهيد أبو أحمد ، الشهيد أبو علي السماك ، صارم الشمري ، كرم ابو الفوز . من هنا وبهذا التاريخ من ٦ آذار ١٩٨٥ شنت القوات العسكرية العراقية بقيادة العميد قوات خاصة ”علي عربيد ”مع الجحوش هجومها المباغت من قصبة ” سيد صادق ” تحت غطاء مدفعي كثيف مسنود بالطيران على أعلى ربيتين إيرانيتين في المنطقة على سلسلة جبل ” سورين ” بعد أن أنتشرت الاخبار بنية الإيرانيين بشن هجوم واسع على القاطع الشمالي ومحاولة إحتلال مصافي النفط في مدينة كركوك الغنية به ، ومنذ ستة شهور مضت لم تتوقف يوماً ولا ساعة التحشيدات الإيرانية ونصب ربايا جديدة والتوغل الى المدن والقصبات الكردية العراقية بالتنسيق مع القوى والاحزاب الكردية وتسهيل مهامهم اللوجستية والعسكرية في إحتلال الاراضي الوطنية العراقية ، وكنا نحن الشيوعيين العراقيين نعلن عن تذمرنا وأستياؤنا من تواجد القوات الإيرانية بالقرب من مقراتنا والمرور بها بإتجاه أرض العراق الوطنية وهذا موقف يحسب لتاريخ الشيوعيين الوطني ، دعنا عن تطلعات فردية بالتمني لاسقاط نظام صدام حسين من خلال الهجمات الإيرانية وإحتلال بلدنا ، هنا أتحدث عن موقف وطني وسياسي آنذاك في منع التعاون والتنسيق مع قوات الاحتلال ، في خضم تلك التطورات بالمنطقة ، بدأ العراق يعزز من قواته وتحشيداته بالمنطقة واصبحت مقراتنا وسط جبهة حرب بين العراق وإيران والقوى الكردية المتعاونة معها بجميع أطرافها . في صباح ذلك الربيع الدافيء بزنابقه المتفتحة مابين الصخور والشقوق ، بدأ قصف عراقي مدفعي وتحليق للطيران غير معتاد كباقي الايام التي تعودنا عليه وبسرعة قياسية لم تمهلنا وقتاً في لملمة وترتيب انسحابنا تمكنت القوات العراقية من الالتفاف على مقراتنا وبدون مقاومة تذكر في إحتلال أعلى راقمين في الجبل ، وكان خلفنا مقراً لحزب الباسوك بقيادة محمود الحاج تبين إنه أنسحب بوقت مبكر من بدأ الهجوم ، بعد أن رأينا بأم أعيننا كيف تسلقت القوات العراقية والجحوش المرتفعات الجبلية خلفنا وإحتلالها ورمي الجنود الإيرانيين من قمة الجبل الى قعر الوادي وهم احياء وأصوات الاستغاثة وصداه يكسر سكون الجبل الشامخ ، تسلقنا الجبل والوادي باتجاه رفاقنا الفوج التاسع في منطقة ” باني شر ” وحملنا معنا كل ما خف من حاجاتنا الشخصية واثناء ذلك صادفنا ضابطين إيرانيين نفذا بجلدهما وطلبا مني ناظور كنت أحمله مع سلاحي وترددت في البداية وكان بجانبي ملازم كرم ” أبو الفوز ” دعاني أن أعطيه لهم للتأكد عما حدث لجنودهم في الربايا وأعادوه لي وإختفوا ، تحت جناح الليل الدامس وصلنا الى رفاقنا في منطقة ” باني شر ” إستقبلنا ببرود من قيادة الفوج ، هنا شعرت ولأول مرة بالتعصب القومي تجاه الرفاق العرب ، بعد ليلة قلقة ومرعبة وصلت برقية من قيادة القاطع ، الذي مسؤوله الأول المرحوم احمد باني خيلاني ومساعديه إبراهيم الصوفي ” أبو تارا ” ومحمد النهر ” أبو لينا ” . تتضمن البرقية بأن انسحابكم بهذه الطريقة فقدت وجه الحزب بين أهالي القرى والعشائر وما عليكم الا العودة الى المنطقة وسحب ممتلكات الحزب لاعادة وجهه التي كانت عبارة عن تسعة صواريخ ”بازوكا ” فاسدة وبطانيات وللآسف هذا الموقف جاء مغايراً عن ما حدث من تطورات دراماتيكية عسكرية قيادة القاطع بعيدة كل البعد عنه مكاناً وميدانياً وقبل أن نقدم تقريرناً عن تفاصيل ما حدث في ذلك اليوم . في المساء إجتمعنا وتداولنا مضمون البرقية وطرح أبو حاتم ”مناف الاعسم ” مقترح بالعودة الى المقر وسحب ممتلكات الحزب وأثنى على مقترحه أنا لطيف والشهيد آشتي والدكتور إبراهيم والآخرين تحفظوا . ووسط جبهة حرب ساخنة لم تهدأ الا بعد شهور من سيطرة الجيش العراقي على المنطقة برمتها بسهولها وجبالها ووديانها تحركنا نحن الاربعة تحت جنح الظلام بأسلحتنا الخفيفة وتحت تنوير وتمشيط مدفعي للمنطقة وبصعوبة بالغة الخطورة بحدود الساعة الواحدة ليلاً وصلنا الى مقرنا ودخلنا به وجدناه مبعثراً وبه بعض القتلى الجنود الإيرانيين وسحبنا الصواريخ الفاسدة معنا والتي يبدو الجيش العراقي عندما دخل الى مقرنا فحصها ووجدها فاسدة وتركها في مكانها وبأعادتها عدنا وجه الحزب ، والتي كانت تؤدي الى استشهادنا” قاب قوسين أو أكثر ”. تلك السياق من المقدمة وأرتباطاً فيما حدث فيما بعد حول ” خورنوزان ” التي تحدث عنها احمد باني خيلاني ، والتي حدثت بعد أربعة شهور من احداث ” هزارستون ”. بعد أحداث هزارستون تم توزيعنا على الافواج وكان نصيبي مع بعض الرفاق الفوج الخامس عشر في مقره المؤقت في وادي خورنوزان على إمتداد تلك السلسلة من جبل سورين .

فرضت علينا الاحداث وتطوراتها الحصار في شريط حدودي لا تتعدى يومياتنا عن الخفارات والحراسات والكمائن وتقطيع الحطب في وادي عميق وسط جبل شائق ومعقد . في تلك الليلة التي تحدث عنها أحمد باني خيلاني في كتابه منحتني فرصة أن أضع النقاط على حروفها . كنت أنا محمد السعدي ” لطيف ” وأبو زاهر ” مسؤول المفرزة ” والشهيد عمار من أهالي الدغارة الديوانية ” والشهيد قاسم من أهالي العمارة ”. يومنا ودورنا في الحراسة المتقدمة على قمة الجبل ” في الساعة العاشرة ليلاً تأبطنا أسلحتنا الخفيفة وأكياس معدة للنوم السريع والمؤقت وراديو صغير وتسلقنا الجبل في جو صيفي منعش في شهر حزيران عام ١٩٨٥ ، وكان بالتنسيق مع مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني فرع خانقين ( نوجة خانقين ) ، مهمتهم في موقع متقدم عبارة عن ربية قديمة ومحصنة تركها الجيش العراقي لشدة ووطأة المعارك في المناطق الجنوبية مع القوات الإيرانية ، وأن تلك الربية ليس فقط محصنة عسكرياً وأنما ايضاً تتميز بموقع أستراتيجي مشرف على كل المنافذ للتقدم والتحركات ، أما نقطتنا للحراسة فكانت بموقع مكشوف وبين الصخور وهدف سهل للعدو ، وبعد أن وصلنا الى نقطة الحراسة أفترشنا الاكياس بين الصخور بمربع محدد ، وجلسنا نسمع فيروز من صوت أذاعة الكويت وهي تصدح ” يا جبل البعيد خلفك حبايبنا ” والنجوم تلألأ السماء الصافية ، وفي لحظة ما أنتبهنا الى موقع حلفائنا من مقاتلي الحزب الديمقراطي أنها خالية من أي حركة وبدون حراسة ، تفاجأنا وبدأنا نعلق عن ما مبيت لنا من ليلة مظلمة وعلى سجيتنا ، الغريب في الأمر لم يبلغونا عن سبب أو مانع عدم التحاقهم بالكمين الليلي رغم هناك أتفاق بين قيادة فوجنا وقيادة قوتهم في المنطقة التبادل في وجهات النظر حول أي تطورات تحصل وتحديداً التنسيق في الحراسات والكمائن المتقدمة لكنهم لم يبلغونا عن سبب تخلفهم من الالتحاق بنقطة حراستهم الاستراتيجية ، في تلك الليلة المحيرة بقينا سهرانيين الى الساعة الواحدة ليلاً ولا شيء يعكر صفو مزاجنا أنه هدوء تام حدد الحراسات أبو زاهر وكان نصيبه بعد منتصف الليل الواحدة ليلاً ، وأنا سأستلم بعده وركنا الى النوم ، وبعد ساعة في نوم متقطع بين الصخور أيقظني لمناوبتي في الحراسة وبعد عشرة دقائق بالضبط لفعني صدى صوت بلهجة عربية تقدمت باتجاه الوادي رأيت المنطقة مطوقه من كل الجهات وموقع حلفائنا المتقدم سيطرة كاملة عليه من قوات الجيش العراقي وذهبت حالاً الى آمر المفرزة أبو زاهر وأيقظته من النوم وحال نهوضه تبعني الى حافة الجبل ورآى بأم عينيه حجم التحشيدات حول قمة الجبل وربية حلفاءنا مسيطر عليها بالكامل قرر الانسحاب حالاً بعد ما أيقظنا رفاقنا الشهداء عمار وقاسم وتسلقنا الوادي بسرعة البرق لنبلغ رفاقنا بحجم الكارثة والانسحاب باتجاه الاراضي الإيرانية قبل بزوغ الفجر وتمكنا نحن مقاتلي الفوج الخامس عشر الذي يبلغ عددنا بحدود ٣٥ رفيقاً وفوج التاسع بحدود ٥٠ رفيقاً وقطعنا الوادي في الساعات المتبقية من الليل وأستقرنا في قطع جبلي وعر على الحدود الإيرانية ننتظر ونراقب التطورات بعد أن إحتلت المنظقة بالكامل ومن ضمنها مقرنا وبث تقرير مصور في التلفزيون العراقي أنه وكر العملاء والجواسيس . في الليلة الثانية أتخذ قرار في التسلل الى المقر بعد توارد الاخبار أن الجيش في الليل ينسحب منه خوفاً من الهجوم المضاد وهم داخل الوادي أن نسد المنافذ عليهم ، عسكريا تقديرهم كان صحيح جداً ، في ظلمة الليل وتحت ضوء القمر تسلقنا الى الجبل باتجاه مقرنا ” وكان نصيبي هذا المرة أيضاً أن أكون في قمة الجبل للتغطية في حالة أي تقدم وكان معي هذه المرة ملازم ماجد ( علي مهدي ) ، وكانت علاقتنا نوع عما متشنجة وبقينا في قمة الجبل من الساعة التاسعة ليلاً الى الرابعة صباحاً ورفاقنا داخل المقر محاولة منهم لسحب بعض الضروريات وفي جو ساخن جداً أصابني العطش أضطررت أن أسحب ( الزمزمية ) من ملازم ماجد وأجهز عليها كاملة مما أثار أنزعاجه ، أنسحبنا بكل هدوء وبدون أي تعرضات سوى قذائف التنوير ، وفي اليوم الثاني أكتشف الجيش عملية تسللنا الى داخل المقر ، وفي هذا اليوم حاولت قوى كبيرة من مقاتلي الحزب الديمقراطي الكردستاني ” نوجة خانقين ” إقتحام الربيه التي تركوه خاليه في ذلك اليوم من الهجوم ولم يحققوا شيء ، ولقد عجزوا عن ذلك وحتى القرب منها وأعطوا ثلاثة شهداء واندحروا ، أما بياناتهم الحماسية تقول : أنهم قتلوا مجموعة من الجنود العراقيين وآسروا ضابط عراقي كبير وهذا خالي من الصحة كما تبين فيما بعد ، وفي تلك الليلة لقد أمطرونا بحمم بركانية من القنابل من المساء الى الصباح وكنا تسعين رفيقاً من الحزب الشيوعي العراقي لابدين ومحشورين بين الشقوق وداخل الكهوف والقواطع الجبلية لا نستطيع أن نقوم بأي حركة لشدة القصف وقوته وتناثر الشظايا ، كنت أنا والشهيد عمر ” أبو رماح ” لابدين بكهف محشورين ولا ننبس ببنت شفه وحال الرفاق الآخرين ، كانت توقعات الجميع في الصباح سيكون الجيش واقفاً على رؤوسنا ، وعندما حل الصباح وجدنا الصخور متشظية والاشجار مقلوعة والشظايا مغطاة الوادي ورائحة البارود والموت تغطي فسحة الوادي ، فلم يبقى أمامنا الا تسلق الجبال والعبور الى الاراضي الإيرانية بعد ثلاثة أيام صعبة وقاسية من العطش والجوع والقرب من الموت ، وصلنا الاراضي الإيرانية إنها مقرات الحزب الديمقراطي الكردستاني ” حدك ” ونقلونا بسيارات مكشوفة عبر المدن الإيرانية الى مقر قاطع سليمانية وكركوك في منطقة ” كرجال ” وحين وصولنا عقدت قيادة القاطع أجتماعاً موسعاً بقيادة أحمد باني خيلاني وحملنا المسؤولية كاملة قائلاً : كان يجب عليكم تقاوموا وتطلقوا الرصاص على القوة المهاجمة حتى إذا تطلب الأمر في موت الجميع ، وفي تقدير الجميع لو حدث هذا فعلاً لسبب كارثة باستشهاد تسعين رفيقاً ولوح لنا مجموعة المفرزة بعقوبات عسكرية وحزبية قبل أن نقدم تقريرنا الميداني عن ما حدث ، لكن الوقت لم يمهلنا فرصة حيث إجتاح الجيش العراقي المنطقة برمتها مما تركنا مقراتنا وعبرنا مرة أخرى الى الاراضي الإيرانية وتركنا كل شيء وراءنا مقر القاطع والافواج والقوة الى مناطق ”شربازير ” لبناء مقرات جديدة في تلك السلسلة الجبلية وسط مواقع الربايا الإيرانية وقوى الاحزاب الكردستانية ” وهذا أيضا لم يدم طويلاً بسبب الحرب العراقية الإيرانية والقصف والقتال بينهما ، ولقد تبين فيما بعد أن الهجوم على خورنوزان بدأ في الساعة السابعة مساءاً ومن عدة محاور . هذا ما حدث وأنا غير نادم عن ذلك القرار والموقف في ذلك اليوم .. وهذه هي شهادتي للتاريخ وللأمانة.

يتبع ….. هناك فصل أخير من تلك الشهادة سأرويها في حلقة ثالثة من كتاب ” مذكراتي ” حول التنظيمات الحزبية في المناطق العربية في تجربتي البسيطة .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب