18 ديسمبر، 2024 9:37 م

مذابح (تحرير) العراق أبشع من هجمات 11 سبتمبر!

مذابح (تحرير) العراق أبشع من هجمات 11 سبتمبر!

التاريخ المُظلم للبشريّة حافل بمئات الجرائم الكبرى التي سحقت الناس بدوافع ومبرّرات سياسيّة ودينيّة وثقافيّة وربّما أنانيّة وشخصيّة!
وعَرفت البشريّة جُملة من المجازر التاريخيّة، ومنها، وبحسب دمويّتها، الحرب العالميّة الثانية ثمّ الأولى، والاستعمار الأوروبّيّ للأمريكيّتين، والحروب الأهليّة في الصين وروسيا وأمريكا وغيرها، والغزو الفرنسيّ للجزائر، وحرب فيتنام، ثمّ الغزو الأمريكيّ لأفغانستان والعراق، وأخيرا الثورة السوريّة!
وبدأت هجمات الحادي عشر من 11 سبتمبر/ أيلول في العام 2001 باستيلاء بعض الانتحاريّين، وبذات التوقيت، على طائرات ركاب أمريكيّة وهاجموا بها مبان ضخمة في نيويورك وواشنطن، وقد دمّرت طائرتان مركز التجارة العالميّ في نيويورك، وهاجمت الثالثة وزارة الدفاع (البنتاغون)، وتحطّمت الطائرة الرابعة بمزرعة في ولاية بنسلفانيا بعد مقاومة الركاب للخاطفين والسيطرة عليهم، وقيل بأنّهم كانوا يعتزمون مهاجمة (مقرّ مجلسيّ النوّاب والشيوخ) بواشنطن.
وكانت حصيلة تلك الهجمات الدمويّة التي تبنّاها تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن، ما لا يقلّ عن ألفين ومئة قتيل، ومن يومها يحتفل العالم، بألم ومرارة، بهذه الحادثة القاسية التي كان لها العديد من التداعيات وأبرزها احتلال أفغانستان والعراق.
وفي الذكرى الحادية والعشرين لأحداث 11 سبتمبر/ أيلول نجد لزاما علينا أن نتذكّر كارثة احتلال العراق حيث ربطت الولايات المتّحدة حكومة بغداد بتنظيم القاعدة، وبالمحصّلة بأحداث أيلول/ سبتمبر لتجعل منها حجّة لغزو العراق وسحقه وتهشيم كيانه وأهله!
وقد فبركت الخارجيّة الأمريكيّة، حينها، قضيّة امتلاك العراق لأسلحة محرّمة تُهدّد أمن المنطقة والشرق الأوسط، ثمّ بعد الغزو تراجعوا وأكّدوا خلوه من تلك الأسلحة الفتّاكة!
فلماذا كانت الكارثة من أساسها؟
وهل كانت للقضاء على الرئيس السابق صدام حسين وإرجاع العراق للقرون الوسطى، أم للسيطرة على النفط وبقيّة المعادن النادرة والثمينة، أم لإعادة رسم خارطة الشرق الأوسط والعالم انطلاقا من العراق؟
لقد انتقمت واشنطن من العراق انتقاما لا يُمكن نسيانه، وسيُسجّل التاريخ أنّ بغداد دمّرت مرّتين، الأولى على يد المغول (1258م)، والثانية على يد الأمريكان (2003م)، وفي كلتيهما تكبّد الأبرياء فاتورة الدم التي بلغت مئات آلاف الضحايا!
وبحسبة بسيطة يُمكن أن نتعرّف على حجم الخسائر البشريّة العراقيّة جرّاء الاحتلال الأمريكيّ قياسا بالخسائر البشريّة الأمريكيّة بهجمات أيلول/ سبتمبر 2001.
وقد ذكر مركز استطلاعات الرأي (ORB)، وكذلك مجلّة (The Lancet) البريطانيّة الطبّيّة، أنّ العراق فَقَدَ أكثر من مليون مواطن منذ العام 2003 وحتّى آب/ أغسطس 2007!
وتُشير (The Lancet) إلى أنّ” 56 في المئة من الضحايا قُتلوا بالرصاص الأميركيّ، و13 في المئة بالسيّارات المُفخّخة، و13 في المئة بالقصف الجوّيّ، و14 في المئة بالمدافع الثقيلة والدبّابات، و4 في المئة لا يُعْرَف سبب موتهم”!
وذكرت منظّمة إحصاء القتلى العراقيّين (Iraqi Body Count) بموقعها الرسميّ أنّه، ومنذ العام 2003 وحتّى نهاية العام 2021، بلغ العدد الإجماليّ لقتلى العنف، بمَنْ فيهم المقاتلين، 288 ألف قتيل!
ولم تتوقّف المطحنة العراقيّة عند مُعدّلات القتل الخياليّة بل هنالك اليوم أكثر من مئة ألف مفقود، ربّما غالبيّتهم العظمى في عِداد الموتى، وبالذات بعد المعارك ضدّ (داعش) في الموصل والأنبار وغيرهما!
وبهذا يتبيّن أنّ معدّلات القتل في العراق أكثر من (500) ضعف مقارنة بضحايا أيلول/ سبتمبر الأمريكيّة في أعلى التقديرات، وأمّا بخصوص أقلّ التقديرات، التي تقول بأنّ الضحايا هم مئة وثمانين ألف عراقيّ فقط (بين قتيل ومفقود)، فهذا يعني أنّ المعدّل أكثر من (80) ضعفا من الضحايا الأمريكيّين!
وهذه الإحصائيات تؤكّد الحقد الأمريكيّ على العراقيّين، والذي بَرَز بأبشع صوره بسجني (أبو غريب) غربيّ بغداد، وبوكا جنوبيّ العراق حيث تابع العالم سياسات التعذيب المُمنهجة لسحق كرامة المعتقلين وتدمير معنويّاتهم وكأنّها حرب انتقام لكلّ ما يتحرك على أرض العراق!
لقد كانت جريمة احتلال العراق بوّابة جهنّم التي فتحت أبواب الصراعات والهلاك في العراق وسوريا واليمن وليبيا وحتّى فلسطين، وكأنّ العالم بدأ يُحطّم بعضه بعضا بحجّة مكافحة الإرهاب ونشر الديمقراطيّة!
إنّ نزيف الدم العراقيّ تراجع اليوم قليلا لكنّه لم يتوقّف، وهنالك الآن قَتْل معنويّ وترهيب مليشياويّ لملايين العراقيّين، وهجرة مستمرّة لأكثر من ثلاثة ملايين مواطن، والأدهى والأمر حالة الخراب السياسيّ المُتنامية عبر عمليّة سياسيّة هزيلة، مُجمّدة الآن، وفقدت قدرتها للسيطرة على إدارة البلاد، رغم الإمكانيات الماليّة والبشريّة الهائلة، ولكنّها نجحت في زرع الفتن الطائفيّة والمذهبيّة بين المواطنين!
فما الذي جناه العراقيّون مِن حرب (التحرير)، وما هي جناياتهم حينما أسقطوا عليهم مئات الأطنان من القنابل المُحرّمة وغير المُحرّمة، وما هو ذنبهم بحيث تفرّقوا، وبالملايين، في أكثر من 80 دولة، وصاروا لا يشعرون بطعم الحياة بسبب فقدانهم لدولة راعية، وبيئة آمنة، وحلم بِغَد مضمون لهم ولعوائلهم؟
وبعد جميع التضحيات التي ضاعت أعدادها حتّى على المنظّمات المُختصّة بإحصاء الضحايا وصلنا لمرحلة الضياع الحقيقيّ في العراق، فلا ديمقراطيّة، ولا إعمار، ولا أمن، ولا سلام، ولا حكومة عادلة جامعة!
فلماذا حَصَلَ الذي حَصَل، وكم جريمة مثل جريمة سبتمبر الأمريكيّة حَصَلَت في العراق حتّى الآن؟
dr_jasemj67@