23 ديسمبر، 2024 10:49 ص

مديونية العراق للشركات النفطية

مديونية العراق للشركات النفطية

في حوار مع الدكتور عادل عبد المهدي أجرتهIraqi Oil Report نشر في الثلاثين من آذار الماضي، تناول بن لاندو، رئيس التحرير، هذا الموضوع الذي أثار الكثير من الجدل وحمل أيضا الكثير من سوء الفهم، ومع الأسف الشديد، حاول البعض تشويه كلام سابق للدكتور عادل عبد المهدي مع احدى وكالات الأنباء من أجل أن يبدو الأمر وكأنه تقصيرا من قبل الإدارة السابقة للنفط، كما وحاول البعض الاستفادة من هذه التصريحات، من خلال تشويهها، ليطعن بعقود الخدمة ويوحي بأنها تفرط بحقوق الشعب وهي سبب المصائب التي تواجه العراق حاليا، وربما هي السبب بأزمته المالية وعجز الميزانية.

معظم مضامين هذا التشويه هو الإيحاء بشكل مباشر أو غير مباشر بأن هذه العقود، عقود الخدمة، غير صالحة وأن البديل الأصلح هو عقود المشاركة بالإنتاج، وفي مقال لصيدلانية وفنانة تشكيلية وروائية، لا ندري ما علاقتها بالنفط والاقتصاد، راحت تلعن فيها السياسة النفطية ومضامين العقود كما لو أنها هي السبب بأزمة العراق الاقتصادية وليس أحادية الاقتصاد العراقي وريعيته. وراحت أبعد من ذلك لتكتشف أن المنقذ الجديد الذي جاء يمتطي حصانه الأبيض قادما من جبال كوردستان، هو وزير المالية في الحكمة الاتحادية، الذي أعياه التفاوض مع البنوك العالمية لتوفير الأموال، واستشهدت، بل اقتطعت جزءا من مقالة كتبها عصام الجلبي، وزير نفط سابق، الذي لا تروق له كل أنواع العقود مع الشركات العالمية بسبب خلفيته الفكرية والعقائدية، وهي لا تدري أن الجلبي نفسه يعتبر أن عقود الخدمة أهون الشرور، وأنها أفضل أنواع العقود النفطية حاليا، رغم رفضه لمبدأ التعاقد مع الشركات العالمية الكبرى لتطوير الحقول، فهو يريد أن يكون التطوير وطنيا صرفا، وأنا شخصيا احترم رأيه رغم تحفظي الشديد على كيفية التطبيق لهذه الرؤيا.

من المعروف، وكما نصت عليه العقود، أن الدولة تدفع كلف تطوير الحقول بالكامل من خلال استقطاع نسبة50% من النفط المنتج خلال فترة ربع سنة، أي ثلاثة اشهر إنتاج، لسداد كلف التطوير، وهذه النسبة تسمى بنفط التكلفة في عقود المشاركة بالإنتاج، لأن كل أنواع العقود تتضمن هذا الشرط ولكن نسبة الاستقطاع تختلف من عقد لآخر، فلو قلت النسبة طالت فترة السداد، وإذا زادت النسبة قصرت فترة السداد مع الأخذ بنظر الاعتبار حجم النفط المنتج عند اعتماد نسبة السداد لصالح الطرفين.

مما تقدم نفهم أن كلف تطوير17 حقلا نفطيا يجري تطويرها حاليا في آن واحد، يجب أن تدفعها الدولة من خلال تقدير حجم المنجز من المشاريع التطويرية كل ثلاثة اشهر، وهكذا يتم الدفع عند انتهاء الثلاثة اشهر. فإذا عرفنا أن كلف تطوير الحقول الكاملة لل17 حقلا تقدر ب200 مليار دولار وفق الكلف العالمية ودراسات الجدوى المعتمدة وقت توقيع العقود، نجد أن على الدولة دفع تقريبا4 مليارات و500 مليون دولار كل ثلاثة اشهر، وهكذا تكون كلف التطوير السنوية بحدود18 مليار دولار واجبة الدفع سنويا للشركات.

بالطبع يتوقف دفع هذه الأموال عند الإنتهاء من عمليات التطوير في الحقول بعد الوصول إلى الهدف النهائي للتطوير، ربما بعد حوالي أربع أو خمس سنوات من الآن، أو التوقف عن زيادة الإنتاج في أي وقت من الأوقات في حال قبلت الشركات تعديل العقود وتغيير سقوف الإنتاج النهائية، فبدلا من الوصول إلى9 ملايين برميل، وهذا هو السقف الحالي، لنفترض أنها تتوقف عند سقف إنتاج قدره ستة ملايين برميل وتنتهي بعد فترة خمس سنوات أيضا، وهكذا ستكون الدفوعات أقل بكثير من4 مليارات كل ثلاثة أشهر.

وعند سؤال وزير النفط من قبل الIOR، الإراكي أويل ريبورت، عن مستحقات الشركات والتي هي عبارة عن مستحقات عن السنة الماضية تقدر ب9 مليارات دولار، تضاف إليها المستحقات لهذه السنة والتي تقدر ب18 مليار دولار، وهو حجم أموال كبير بضل العجز الكبير في الميزانية العراقية لسنة2015؟

من خلال جواب الوزير يتضح أنه تم بالفعل دفع مبلغ3 مليارات دولار هذه السنة، كما وأن مستحقات السنة الحالية والتي تقدر ب18 مليار دولار، سوف لن تدفع كلها هذه السنة لأن، الربع أو الربعين الأخيرن من السنة ستدفع خلال عام2016. وهكذا سيكون المستحق من الأموال التي ستدفع هذه السنة هو مبلغ ال6 مليار يضاف له مبلغ ستة أشهر، وهو9 مليار، فالمجموع سيكون بحدود ال15 مليار دولار، وإن ما ستقدمه وزارة المالية وهو12 مليار دولار من تخصيصات الميزانية، فالمتبقي سيكون بحدود3 مليارات، سيتم دفعها من خلال ما ستحصل عليه الدولة من اصدار السندات الجديدة، وهكذا وجدت الشركات أن مستحقاتها متوفرة بالفعل وستحصل عليها وهي راضية على حد تعبير السيد الوزير.

مما تقدم نفهم أن ليس هناك هدرا بالمال العام، ولا يوجد فساد، ولا يوجد سوء بالعقود النفطية، ولا سوء بإدارة العقود، ولكن هبوط الأسعار للنفط بضل عدم توفر البديل الذي يرفد الميزانية بالمال هو الذي خلق الأزمة، المال الذي نراه اليوم يصرف هدرا على الفاسدين والمفسدين الذين لا يعرفون كيف توظف الأموال لتخلق فرصا للعمل، وأرباحا تضيف للبلد قوة اقتصادية، باختصار لا يعرفون شيئا عن التنمية، فكل ما

يعرفه وزراء المحاصصة والهيئات التي لم تعد مستقلة هو صرف الأموال على أحزابهم أو على مافياتهم فسادا واستهتارا بالمال العام والشعب.

عودة إلى الموضوع الأساسي، أما إذا عدل العراق العقود ليدفع أقل من ذلك، ستطول فترة التطوير، في حين أن العراق بحاجة إلى زيادة إنتاجه لتوفير المزيد من الأموال لسد احتياجاته، لكن يبدو أن الزيادة في الوقت الحالي باتت موضوعا للجدل لعدة أسباب منها الهبوط الحاد لأسعار النفط وعوامل أخرى في الطريق وذات أثر كبير على أسواق النفط كعودة إيران بإنتاج أعلى من إنتاجها الحالي، بزيادة مليون ونصف المليون برميل يوميا قابلة للزيادة في المستقبل، لذا يجد البعض أن على العراق إعادة التفكير بسياسته القديمة، أو الحالية، التي تعتمد مبدأ السرعة بزيادة الإنتاج، لكن هناك من يجد أن الاستمرار بهذه السياسة قد يخلق وضعا أفضل بالنسبة للعراق من الناحية التفاوضية بداخل أوبك رغم تحول أوبك إلى أداة سعودية خليجية ذات أبعاد سياسية أكثر منها اقتصادية لتحقيق أعلى منفعة من خلال فرض السعر الأمثل على الأسواق العالمية.

لهذه الأسباب وغيرها وجدت وزارة النفط أن عليها مراجعة سياستها النفطية والتعاقدية لتحقيق أعلى منفعة، ولكن المسار ضيق جدا ومليء بالمطبات والفخاخ التي يمكن نصبها وسط الطريق خصوصا لضعف العراق التفاوضي أمام الشركات ذات الباع الطويل بالتفوض وجني أفضل الأرباح على حساب أصحاب الحق الشرعي بالنفط.

لسوء الحظ أن هبوط أسعار النفط جاء بالوقت الغير مناسب، متزامنا مع الحرب على الإرهاب ومشكلة النازحين، ولولا تزامن هذه الحالات لما شعر أحد بوجود أزمة، فالأزمة الحقيقية تكمن بإدارة المال العام، كما أسلفنا، وليس بالنفط أو مستحقات الشركات عن عمليات التطوير، لأن هذه العمليات حقا مكلفة جدا، حيث أن أجر الشركات وكلف الإنتاج تكاد أن لا تذكر مقابل كلف التطوير الباهظة.

لكون العراق بلد ريعي ويعتمد من حيث الأساس على عائدات النفط، استفاد ضعاف النفوس من هذه العلاقة ليلقوا باللائمة على النفط وليس على إدارة المال العام والتي هي بعيدة عن النفط، وتبعهم المغفلين وقليلوا المعرفة لتثار ضجة غير مبررة اطلاقا ضد أفضل إنجاز للعراق منذ سقوط النظام السابق ولحد الآن، ألا وهو توصله إلى عقود الخدمة ووضعها موضع التطبيق.

علينا الاعتراف بحقيقة أن لولا تطوير الحقول العراقية لما بلغت عائدات العراق أكثر من مئة مليار دولار سنويا قبل عام من الآن، ولما ارتفعت رواتب الموظفين، ولما تصرفت الدولة بهذا البذخ بالصرفيات، ولما استطاع العراق الوقوف بوجه الإرهاب القادم من خلف الحدود، ولما استطاع تحقيق انتصارات في جبهات القتال.

وفي نفس المقابلة تحدث الوزير عن موضوع آخر متمثل بإجراء تعديل على العقود، وهذا موضوع خطير جدا، رغم أن السيد الوزير قال صراحة أنه لن يغير من مضمون العقود كونها عقود خدمة، بل إنه يسعى لتحسين شروطها من خلال التفاوض مع الشركات، وقد أعطى مسارا ضيقا جدا لهذا التعديل المفترض، وهذا ما يحتاج إلى وقفة أخرى للحديث عنه ودراستة بشكل جيد، لكن للأسف الشديد لم يعطينا السيد الوزير الوقت الكافي للمشاركة بالرأي، إذ أعلن أمس أن المفوضات مع الشركات النفطية قد بدأت بالفعل.

ما تقدم لا يعني أن العقود هي الأمثل، لكنها بالتأكيد هي الأفضل بين جميع عقود التطوير على مستوى العالم أجمع لحد الآن، ولا توجد عقود طويلة الأمد أفضل منها إطلاقا، ولها الفضل حصرا بتوفير هذا التدفق والفيض المالي الكبير على العراق، أما اذا استطاع العراق تحسين شروطها كما يطمح له الوزير، فإن ذلك سيكون مثارا للإعجاب.