23 ديسمبر، 2024 12:05 م

مدنية الشيخ والزعيم..حول قانون العشائر – ج2

مدنية الشيخ والزعيم..حول قانون العشائر – ج2

لقد كان الغاء قانون العشائر في ثورة تموز 1958 ضرورة ملحة من ضرورات القضاء على الأقطاع وضرورات التوجه الصحيحلبناء دولة عراقية حديثة . وقد كان البديل لذلك هو التوجه والتخطيط الصحيح لبناء دولة عراقية صحيحة ورسم البرامج الجادة والتحرك نحو اقامة المئات من المشاريع الأنتاجية والخدمية التي بدت معالمها واضحة للعيان وملموسة بالرغم من عمر الثورة القصير التي أجهز عليها (( المغرضون – عملاء الأستعمار – أدوات الغرب الأسرائيلي )) .
والمواطن العراقي (( عبد الكريم قاسم )) عاش ومات ولم يعرف أحد من أي عشيرة هو أو من أية طائفة .
وفي ظل الزعامات اللاحقة بعد فترة عبد الكريم قاسم اندثرت قوانين العشيرة ليحل محلها قانون الدولة ، لكنها عادت للأنتعاش والنشوء مجددا حين وجد الدكتاتور نفسه متوحلا في العديد من الصراعات ومشتبكا حتى هامته في خضم الأحتدامات التي كانت ستقود الى نهايته فألتفت الى العشائر لشراء شيوخها ووجهائها ، تلميعهم وتوظيفهم لأغراضه .
فهرول هؤلاء الشيوخ والوجهاء نحو الدكتاتور – هتفوا وردحوا – على بابه لكي يفتح لهم الباب الى فتات وليمته حين وجدوا انها فرصة سانحة لأعادة أمجاد الشيخ – البدائي – الذي لايعرف غير مصلحته ، والذي لايرى ان ثمة (( قيم )) ما قد يتعارض سلوكه هذا معها .
فتم توظيف الشيوخ على أبناء عشائرهم . . وقد أجاد (( بعض )) الشيوخ كثيرا في هذا الدور حين قاموا بأقتياد ابناءهم الى مذبح الدكتاتور لشنقهم أو رميهم بالرصاص أو قطع ألسنتهم وآذانهم .
هذا هو التاريخ الحديث الذي تم توظيف العشائر به ، وهذا هو الوجه العاري الملطخ بالعار (( لبعض )) شيوخ العشائر الأذلاء على فتات موائد الدكتاتور ، عملاء له ، خونة لأبنائهم .
فهل هذا هو المطلوب (( الآن )) من هذا القانون ؟ ، بعد ان وجد زعماء المرحلة أنفسهم في حال أسوأ حالا من الدكتاتور السابق . . هل المطلوب خلق زعامات مناطقية يتم شراؤها لاحقا لحساب زعامة ما ؟ ، حيث يتم توجيه أصوات كل التابعين لشيخ عشيرة ما أو شيخ فخذ ما لحساب من سيشتري ومن سيرعى ومن سيدفع ؟ .
الغرض نفسه والغاية نفسها مع اختلاف التوقيت والمشهد .
سنعود مجددا الى حكاية (( انطيناه جنطة وهز ذيله )) ، على ذكر (( جنط )) الدكتاتور التي وزعها على (( شيوخ التسعين )) ، وفي ذلك الوقت كم من شيخ أصيل أبى على نفسه أن يهز ذيله كالكلب فأعتكف الدنيا وانطوى مركونا في زاوية ما من زوايا الدنيا واندثر ليفسح المجال لشيوخ التسعين الطارئين .
قريبا ، سنكون على أبواب شيوخ (( الألفين وستة عشر )) ، سيظهرون بشكلهم الحداثوي الذي اترك للقاريء الكريم تخيله .
قانون العشائر الجديد ينص على توفير مقرات ومكاتب وتأسيس كيان رسمي و (( كتابنا وكتابكم )) وميزانية خاصة ، في هذا الوقت الذي يتقشف فيه العراق وكل المشاريع والخدمات الصحية والتربوية والأجتماعية والأخلاقية قد تردت الى الصفر ، حيث تعجز الحكومة عن توفير وظيفة لخريج الجامعة وصاحب الشهادة وتعجز عن تصويب ورعاية وضع عاطل عن العمل أو معوق أو أرملة أو آلاف المتسولين في شوارع العراق .
ستظهر وجوه تحت اللافتة العشائرية ، وستحمل صفتها الرسمية ، تستثمر تضحيات أولاد العراق الذين ينزفون دماء نفيسة يوميا في المعارك لأجل تطهير الأرض العراقية من دنس السياسة والسياسيين المرتزقة ، وسنرى زعماء جدد يضافون الى الاف الزعماء الحاضرين والغائبين الذين تكتظ بهم قاعات الفنادق الراقية وشاشات التلفزيون .
كلنا أبناء عشائر عريقة ، وكلنا نعتز بأنتماءاتنا العشائرية ونعتز بكل التفاصيل التي نرثها ونورثها لمن يأتي بعدنا فهذا نسلنا الحياتي المتوارث ككل البشر كالدين والطائفة والمنطقة ، وهذه علامات أو دلالات لوجودنا وتفاعلنا مع هذه الأرض وهذه السماء والطبيعة وهي نسيجنا العراقي المزركش الجميل ، ولم تكن يوما من بوادر فرقتنا قبل ان توظفها أغراض السياسة والسياسيين .
وكلنا نريد بناء وطن عراقي ووعي وشعور عراقي لابديل عنه ، عراق واحد هو خيمتنا وهو العشيرة لكل عشائرنا الجليلة ، جزئياتنا وخصوصياتنا واختلافاتنا الصغيرة هي ملك لكل منا نتفاعل بها بيننا ومع الآخرين لخلق علاقات الجدل الحضاري الذي يقودنا ويقود العراق الى الأمام .
وهنا لابد لي من أن اكرر ماقلته في مقالة سابقة :
الدولة الحصينة المصانة والقانون الرصين الفعال الموجه للأغراض الوطنية هما ضمانة نجاح كل المشاريع والنوايا الطيبة , وهما جهة التمثيل العام والشامل لكل الشرائح والحالات التي ذكرناها أعلاه .
الدولة والقانون :
هما (( المسطرة )) المستقيمة ، المقياس الثابت التي يجب أن تصطف وترصف اليه كل الأشياء والميول والأتجاهات فيظهر مدى اعوجاجها أو أعتدالها .

[email protected]