كانت قريتنا في ذلك الوقت تتشابه كثيرا مع القرى التي تحيط بها من ناحية البناء الطيني او تضاريس الطبيعة وكل الفوارق بين قرية واخرى هو اعداد السكان التي فيها وعدد المنازل الطينية هناك…
كنا نعيش ضمن احد تلك البيوت والتي لم يتجاوز عددها العشرون منزل في تلك القرية وكان الحد الفاصل بيننا وبين القرية الاخرى هو طريق لا يتجاوز عرضه العشرة امتار ولذلك تجد ان التسمية ينطقها الناس دوما بإسم القريتين وليس قرية واحدة فيقولون ((قرية العين واصفيه)) كانت القريتان تشترك بالخدمات الإدارية بجهة واحدة فالمدرسة الابتدائية هي نفسها التي يدرس بها ابناء القريتين والمركز الصحي الموجود واحد والذي يعطي خدماته الى جميع ابناء القريتين وكذلك الى ابناء القرى المجاورة لها لأنه لم يكن في ذلك الوقت وجود مراكز صحية اخرى في القرى القريبة منها وكان الموظف الذي يدير ذلك المركز الصحي والذي نطلق عليه كلمه الطبيب هو مضمد خريج الدراسه الابتدائية وقد دخل دورات سريعة وتم تعيينه في القرى والارياف ليكون موقع عمله في مستوصف قريتنا ونظر لعدم وجود وسائط النقل في ذلك الزمان كان يقيم داخل المستوصف ويبقى لمده شهر احيانا ليذهب بعدها بإجازة محدودة الى اهله…
كان البناء المستوصف يتكون من مواد الحجر والجص على عكس بناء المدرسة المبنية من الطين والتي كان عدد صفوفها سته صفوف ولا يوجد لدينا شعبه الف او شعبه باء فالمدرسة عبارة عن ثمانية غرف طينيه سته منها للدراسة واخرى لإدارة المدرسة يجلس فيها الأساتذة المعلمون وبجانبهم غرفه اخرى تكون عادة مخزن للقرطاسية او حاجيات المدرسة الاخرى
كل عدد الطلاب في الصف الذي كنت فيه لايتجاوز الخمسة عشر طالب وبينهم طالبتان فقط وكانتا متفوقتان دوما لأنهما من عوائل تؤمن بالعلم وتشجع بناتها على التعليم.. وقد واصلتا تعليمهما وحصلا على شهادات جامعية..
كان المعلمون يأتوننا من مدينة الموصل التي تبعد عنا حوالي 40 كيلو متر بسيارة تنقلهم يوميا وغالبا ما يكون سائق السيارة احد هؤلاء الأساتذة المعلمين..
كل شيء في تلك المدرسة كان جميلا رقم هيبتها والخوف الذي في داخلنا عندما ندخلها في بعض الحالات اولها حالة التسجيل لأول مرة والثانية عندما نكون لم نهيئ واجباتنا المدرسية فإننا نعرف ان هناك ينتظرنا معلم المادة والذي سوف يقوم بمحاسبتنا ويعتبرنا من المقصرين بأداء دروسنا وواجباتنا اليومية..
يزور المدرسة بين الحين والاخر شخص مسؤول كبير في السن وله هيبته ووقاره وتجد الإدارة تهتم فيه كثيرا ويسمى ((المفتش)) وعادة ما كان هذا المفتش يأتي بسيارته الصغيرة وهي من نوع فوگس واگن والتي كنا نسميها ((العگروگه)) وعند دخوله الى المدرسة تجد الانضباط العالي والتقيد بكل التعليمات الصادرة من وزارة التربية والتعليم في حينها وكنا ننظر الى ذلك المفتش بانه ممثل الحكومة فعلا… الأمر الآخر والجميل جدا في مدرستنا في ذلك الوقت هو ذلك الاستعراض الرياضي السنوي والذي يقيمه مديرية تربية محافظة نينوى.. قسم النشاط المدرسي في ناحية حمام العليل ويشارك فيه اغلب المدارس الموجودة في منطقة جنوب الموصل.. وكان هذا الاستعراض بمثابة عيد سنوي لنا حيث نذهب هناك اما للمشاركة او لحضور الاستعراض وكنا ننظر الى ذلك التجمع بانه كبير جدا من حيث العدد والحضور وكان يقام وعلى ما اتذكر في ساحة كبيرة تهيأها ادارة الناحية لذلك وكان موقعها خلف محطة تعبئة الوقود الحالية في ناحية حمام العليل… وهناك تكون فعاليات رياضية متعددة اغلبها تعود الى رياضة الساحة والميدان وبعدها يقوم المشرفون على الاستعراض بتوزيع الهدايا على الفائزين وهي عبارة عن كؤوس فضية اللون وكذلك تكريم المدرسة الفائزة بكأس الاستعراض الكبير وكانت مدرستنا مدرسة اصفيه الاولى في سبعينات القرن الماضي لها الحصة الاكبر من ذلك الفوز..
كان معلم الرياضة الاستاذ وليد اسعد السعدي من عشاق الرياضة ويهتم كثيرا بتدريب الطلاب قبل بدء الاستعراض ولذلك تجد الفوز حليف الطلاب المشاركين بهذا الاستعراض…
ذكريات ما زالت عالقة في الذاكرة طوت قسم منها السنين بأحداث كبيرة ومفارقات كثيرة وتغير كل شيء واختلفت المعالم وما زالت الاثار شاخصة كشاهد عيان على زمن عاش فيه جيل كامل رغم مرارته ورغم الفقر القاسي فيه الا اننا ما زلنا نعشقه لأننا نعتبره الصدق والنظافة والأمانة والاخلاص وحب خدمة المجتمع وحب التفوق والنجاح..
نعشقه لأننا كنا نعيش مع اهلنا ومع همومهم نعشقه لأننا كنا نعيش مع الطبيعة نتعرض فيها لأشعة الشمس في الصيف وبرد الشتاء القاسي ولكننا تعودنا عليها مثل ما تعود الجيل الحالي على النوم ولعبة البوبجي والموبايل والفيس بوك.. الى لقاء اخر تحياتي لكم