23 ديسمبر، 2024 5:38 ص

《قدم الخوف والفوضى إلينا فرصة ذهبية》مايك باتلز .

(مدرسة شيكاغو للاقتصاد) مدرسة اقتصادية ذات نزعة منهجيّة نشأت في في جامعة شيكاغو قسم علم الاقتصاد وكلية الحقوق وكلية الدراسات العليا لإدارة الأعمال من أربعينيات القرن الماضي فصاعدًا ..

من أهم قادتها الفكريين اليهودي (ميلتون فريدمان) “المرشد الكبير لحركة الرأسمالية غير المقيدة”* الدافع بقوة نحو رأسمالية راديكالية لا تريد ان تفسح أي مجال للاشتراكية ، الحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1976 ..

طلابه اصبحوا فيما بعد “خبراء إقتصاديين ، رؤوساء جمهوريات ، رؤساء وزراء بريطانيون ، الكثير من الاقليات الحاكمة في روسيا ، طغاة من العالم الثالث ، وزراء في الحزب الشيوعي الصيني ، مدراء في صندوق النقد الدولي وآخر ثلاث مدراء تعاقبوا على إدارة البنك الاحتياطي الفيدرالي الاميركي”* ، هؤلاء جميعا تتلمذوا على يد فريدمان يعرفون بطلاب مدرسة شيكاغو ..

فلسفة مدرسة شيكاغو تعتمد مبدأ الأزمة او الصدمة كخطة تكتيكية لأحداث التغيير المنشود وبسرعة فائقة ضمن مفهوم الرأسمالية الراديكالية “حتى يصبح المستحيل في السياسة حتمية سياسبة” * ، بدونها (الازمة أو الصدمة) لن يكون بالامكان أحداث ذلك التغيير عبر الوسائل الاعتيادية وإن حدث فإنه سيكون عبر فترات زمنية طويلة جدا ..

الصدمة او الأزمة قد تكون فيضانا هائلا أو انقلابا عسكريا او احتلالا عسكريا او وباءا … الخ ..

خلال تلك الأزمات او الصدمات ، يكون المجتمع واقعا تحت صدمة الحدث وتحت وطأة الذهول سرعان ما تستغلها آلة الرأسمالية المتشددة لإمرار ما يمكن إمراره من قوانين ومشاريع لم يكن بالإمكان تنفيذها بسهولة قبل وقوع الحدث المسبب للصدمة ..

توجد العديد من الأمثلة عالميا ، يستطيع الباحث عن الحقيقة الوصول بسهولة إلى تلك الأمثلة ، لكن ما يهمني في هذا البحث هو العراق وكيف استطاع طلاب مدرسة شيكاغو من استثمار احتلال العراق لتحقيق مكاسب هائلة بالإضافة إلى الشروع في تحويل العراق من نظام اشتراكي الى نظام رأسمالي تتحكم به مجموعة من الشركات العالمية ..

استطاع الاحتلال الأميركي بقيادة تلاميذ فريدمان خريجي مدرسة شيكاغو الحاكم المدني بول بريمر ووزير الدفاع رامزفلت من خلق صدمة هائلة في المجتمع العراقي عبر ممارساته العنيفة والدموية ..

بعد ذلك دخل المجتمع العراقي في زنزانة داعش المظلمة ، صدمة رهيبة راح ضحيتها تاريخ مجيد وأرواح غالية ، صدمات متتالية كانت كفيلة بتطويع العقلية العراقية لقبول ما لا يمكن قبوله (حتى يصبح المستحيل في السياسة حتمية سياسية) ..

توطين الرواتب عملية تنظيمية جيدة ، سرعان ما طرحت البنوك الرئيسية كالرافدين والرشيد والمصرف العراقي للتجارة وغيرها نموذجا سيئا لتسليف الموظفين اقل ما يقال عنه هو عملية سرقة في وضح النهار ورهن راتب الموظف لسنوات طوال مع مبلغ فائدة أكثر من نصف المبلغ ..

في النهاية يجد الموظف نفسه مكبلاً بدين قاهر قاتل للطموح ، الإقبال المنقطع النظير للاستلاف من قبل الموظفين يعطينا شريحة مجهرية عن حالة الصدمة التي تعاني منها المجتمعات العراقية ..

الموظف يعلم أنه يقوم برهن راتبه لسنوات ولكنه يوافق بكل سهولة في محاولة بائسة لصنع حياة فارهة سرعان ما يكتشف أنه نزيل زنزانة مظلمة يصل إليه قوته ثلاث مرات في اليوم ..

ما كان مستحيلا تحقيقه أصبح حقيقة ، شريحة الموظفين على أغلبها مكبلة بدين ثقيل بمقابل فوائد هائلة لتلك المصارف ..

ما بعد ثورة تشرين ، عملية القتل الرهيبة للمتظاهرين هو معالجة بأسلوب الصدمة ، وضع الشعب العراقي داخل قفص حديدي من الذهول دون نقاش لإمرار رئيس وزراء على مقاساتهم او قانون انتخابي يضمن فوزهم وهكذا …

إذا ما إستمر النظام العراقي بقيادة هذه الاحزاب لو جدنا شبح الثالوث السياسي (إلغاء القطاع العام ، الخصخصة ، تقليل الإنفاق الاجتماعي) يخيم كغيمة سوداء تتمثل ..

بإلغاء القطاع العام ، وجدنا ذلك حاضرا في قلة او انعدام التعيينات بل مناقشة خطة رامية الى تحويل نصف الكادر الوظيفي العامل في وزارات الدولة الى القطاع الخاص بحجة القضاء على الترهل ..

ايضا خصخصة التعليم (الابتدائي _ المتوسط – الاعدادي) وخصخصة التعليم العالي ماضية على قدم وساق ولكن بشكل بطيئ للحيلولة دون إستثارة المواطنين ..

ولكن بعد ثورة تشرين أتوقع توقف عملية الخصخصة او استمرارها ببطئ أكثر مما قبل الثورة ولكن في حالة خمود جمرتها وإستعادة الاحزاب الفاسدة هيمنتها ، فان الحكومة سوف تعمد الى تطبيق مبدأ الصدمة لإصدار قوانين جديدة لتحويل التعليم الحكومي الى تعليم مشترك تتحكم به مؤسسات اقتصادية سوف تلغي مجانية التعليم وتفرض رسوم باهضة ستضاف عبئا ثقيلا على كاهل المواطنين ..

خصخصة بعض القطاعات كمرحلة أولى لصالح شركات خاصة من قبيل جباية أجور الكهرباء ، هذه الشركات تمتلكها الاحزاب او شخوص ذات شخصية مالية مريبة تتمتع بنفوذ واسع تهيمن على حركة المال ، علما ان هذه الشركات لاقت رفض منقطع النظير من قبل المواطنين وقد تم ايقاف بعضها مؤقتا او حصر عملها ضمن مناطق محددة ..

أيضا قطاع الاتصالات ، الجميع يعلم هيمنة اسياسيل والاثير وكورك على خدمات الاتصالات وهي شركات خاصة تستطيع دائما شراء عقود خدمتها مقابل أموال طائلة وتسهيلات حزبية بالمقابل جعلوا الشركة العامة للإتصالات شركة منهكة لا تستطيع حتى دفع رواتب موظفيها ..

خصخصة هذه القطاعات سوف يتم تعميمه وتنفيذ فلسفته بقوة في حالة انحراف منحنى ثورة تشرين عن أهدافه المنشودة ..

الحد الكبير للانفاق الاجتماعي بكل قطاعاته الصحية والخدماتية وغيرها ، خفض الإنفاق الاجتماعي سياسة تتخذها الحكومة لتقليل الإنفاق العام بحجة العجز المالي وهو في الحقيقة تغطية على فلسفة الصدمة التي تنحوها أحزاب السلطة لجعل الباب موارباً أمام شركاتهم الغامضة ..

(لكل فعل رد فعل يساويه بالمقدار ويعاكسه بالاتجاه) قانون فيزيائي لا يحكم قوى الطبيعة فقط و لكن على ما يبدو فإنه يحكم معادلات السياسة أيضا ..

مبدأية الصدمة كبطارية بقطبين قطب موجب وقطب سالب ، قد يبدو أن القطب السالب يتحكم بالمشهد العراقي ولكن ثورة تشرين خلقت مجالا شعبيا هائلا وًلّدَ صدمة معاكسة أسقط الحكومة الفاسدة وأحزابها من فقاعتها الى داخل فضاء الصدمة الضيق لتجد نفسها في زنزانة بتأثير صدمة موجة المد الجماهيري الهائلة ..

حالة الذهول التي أصابتها أجبرت الحكومة على الاستقالة بالإضافة الى صناعة مفوضية إنتخابات مستقلة وطرح قانون انتخابي يحقق العدالة الاجتماعية ، هي من الأمور التي ما كانت تحدث على الإطلاق لولا تأثير الصدمة الذي أحدثته ثورة تشرين ..

في حالة هبوط منحنيات ثور تشرين فإن أحزاب السلطة سوف تستفيق من حالة الصدمة لتستجمع قواها مرة أخرى وتستعيد هيمنتها من جديد على مركز صناعة القرار عندها سيكون البطش مقبولا عقلا وشرعاً ..

وأستطيع القول أن ثورة تشرين بحق هي ثورة عالمية لأنها تقف أمام مآكنة هائلة من الرأسمالية الراديكالية الخطيرة التي لا تقف عند حد ولو كتب الله لهذه الثورة بالنجاح فإننا سوف نكتب صفحة تاريخ مجيد في صفحات تاريخ العراق ولعله بمثابة تاريخ عالمي جديد يؤرخ لحظة موت الرأسمالية وأدواتها الخبيثة وبدأ نظام عادل جديد ..

(تم الاقتباس من مقالات منشورة على الويب ومن موقع ويكيبيديا ومن كتاب عقيدة الصدمة لمؤلفته نعومي كلاين)