25 مايو، 2024 1:03 م
Search
Close this search box.

مدرسة الحسين

Facebook
Twitter
LinkedIn

-1-
طغى الجانب المأساوي على ما حفلت به سيرة الامام الحسين (ع) من روائع الدروس في شتى الحقول والميادين :

ومن أهمها العلاقة الوثيقة بينه وبين الله تعالى، وأساليب التضرع اليه حيث يقول في دعائه يوم عرفه :

( ماذا وجد مَنْ فَقَدك وماذا فَقَدَ من وجدَكَ ) ؟

والسلوك الانساني الباهر الذي يحوّل الأعداء الى أولياء محبين ..

والأخلاق الزاهرة التي تجسّد مفاهيم القرآن وتجعلها حيّةً متحركة بين الناس .

ناهيك عن المواعظ البليغة، المشتملة على أروع الوصفات بشفاء النفس من أمراضها، والمجتمع من الانحراف والزيغ …

-2-

جاء عن عصام بن المصطلق قوله

” وفدت المدينة فلقيتُ الحسين بن عليّ فأعجبني حُسن وجهه وجمال مظهره ،

فدفعني الحسد الى إظهار البغض والعداوة اللتين أكنهما في صدري لأبيه،

فدنوتُ منه وقلتُ :

ألستَ ابن ابي تراب ؟

قال :

بلى

قال :

فبالغتُ في شَتْمِهِ وشَتْمِ أبيه ، فَنَظَر اليّ نظرةَ عاطفٍ رؤوف ثم قال :

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :

بسم الله الرحمن الرحيم

خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين، وامّا ينزغنّكَ من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله انه سميع عليم، انّ الذين اتقوا اذا مَسّهمُ طائفْ من الشيطان تذكرّوا فاذا هم مبصرون، واخوانُهم يمدُّونَهمُ في الغيّ ثم لا يُقصرون .

الاعراف 199 – 202

ثم قال :

خفّضْ عليك ،

استغفرُ الله لي ولكَ ،

فإنْ سألتَ العونَ أَعنّاكَ ،

وإنْ رجوت عطاءً أعطيناك ،

وإن استرشدتنا أرشدناك

قال عصام :

فخجلتُ من قولي ومن تقصيري ،

فلّما رأى خجلي قال :

{ لاتثريبَ عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحمُ الراحمين }

ثم قال :

أ أنت شامي ؟

قال :

أَجَلْ

قال

شنشنةٌ أعرفها من أَخْزَمِ

ثم قال :

حيانا الله وايّاك

إنْ كانت لك عندنا حاجة فقلها دون حرج ، ولاتظنّنّ بنا الاّ خيراً ان شاء الله تعالى .

قال عصام :

مع هذه الأخلاق الحسنة – وما قابلتُها به من جرأة وعداء .

ضاقت بي الارض ،

وتمنيتُ لو أنها تنشقّ وتبتلعُني ،

ثم خرجتُ مِنْ عنده متمهلاً أداري نفسي بالناس حذراً من أن يراني ،

ولم يكن عندي – بعد هذا المجلس – من هو أحبّ اليّ منه ومن أبيه”

أقول :

عصام بن المصطلق من أهل الشام ، الذين درجوا على سبّ أمير المؤمنين على منابرهم بأمر من معاوية حتى توّلى (عمر بن عبد العزيز رض) الحكم فأوقف السبّ .

قال الشريف الرضي :

يا ابن عبد العزيز لو بكت العين فتىً من أميةٍ لبكيتُكْ .

أنتَ نزهتنا عن السبّ والشتم فلو أمكن الجزاء جزيتُكْ .

فلم يكن يشعر بعظم الجرأة على الله حين يشتم الحسين وأباه …

انّ النزعة الأموية جاهلية الجذور والأجواء ،ولم تكن هذه الحقيقة لتخفى على أبيّ الضيم ،

ومن هنا تعامل معه بروح المُصلح المرّبي لا بروح المنتقم الغاضب …

واستطاع عَبْرَ هذا الخلق الملائكي أنْ ينتزع الاضغان والحقد من صدره ليرجع سويا بعيداً عن الأدران …

هذا من جانب

لقد رأى عصام بن المصطلق القرآن الناطق بعد ان كان قد قَرَأَ القران الصامت …!!

لقد راى الحسين (ع) وهو يترجم القران عملياً وينقله الى كيان ماثل واضح للعيان .

هذا من جانب

ومن جانب آخر

رأى من كرم الحسين واستعداده لإبداء كل ألوان العون والمساعدة له – ولاسيما وهو غريب في المدينة المنورة – ما أخجله ودعاه الى مراجعة موقفه منه …

وهكذا كان .

انّ كلام الامام الحسين (ع) ينبض بالمروءة ومكارم الاخلاق ، والترفع عن مقابلة الاساءة، وهو يتضمن الاشارة الى انه يستطيع أنْ يكيل له الصاع صاعين، وأنْ يجعله عِبرة للآخرين، ولكنه لا يُقدمُ على ذلك منطلقا من مناقبيتِهِ الفريدة ، وأخلاقيته العتيدة .

وليس عدلاً أنْ نكافئ الحسين العظيم على بطولاته وفتوحاته ببعض الدموع ..!!

تاركين وراءنا منهجه الوضاء، الذي يعمر الحياة بالادب الرفيع والخلق المنيع والمروءات العابقة بشذا الايمان وحب الانسان .

ورحم الله الشاعر محمد صادق القاموسي القائل :

عزَّ على يَوْمِكَ يومِ الإباءْ أنَّك لا تُرثى بغيرِ البُكاءْ

وانّ ذكراك على – مابها من عِظةِ – تُوحي لَنا ما نشاءْ

مدرسةٌ يجهلُ طلاّبُها على مَ تشيدُكَ هذا البناءْ

[email protected]

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب