19 ديسمبر، 2024 12:59 ص

مدرسة (الادارة) العراقية….تهور وتشتت وارتباك

مدرسة (الادارة) العراقية….تهور وتشتت وارتباك

كان للثورة الصناعية التي تمثل فيها ظهور المصانع وزيادة الانتاج وتعدد وتنوع العلاقات الانسانية داخلها منذ بداية القرن العشرين الاثر الكبير في جعل الادارة واحدة من الفعاليات والنشاطات والوظائف الادارية الضرورية التي تتطلب مهارات ادارية وفنية وقدرة على اتخاذ القرار ويتمثل فيها الرشد والوضوح والدقة والتقويم . ولهذا ظهرت العديد من المدارس الفكرية التي ساهمت في تطور الفكر الاداري وتناولت الادارة كنشاط له اصوله وقواعده . ابتداءً من مدرسة الادارة العلمية عام 1911 ومدرسة التقسيمات الادارية والمدرسة البيروقراطية .تلتها مدرسة الادارة السلوكية لحين ظهور المدارس الادارية الحديثة .والتي تضمنت النظرية الكمية (بحوث العمليات) ومدرسة النظم ثم المدرسة الظرفية ( الموقفية) . وانتهاء بالمدرسة اليابانية التي تستند على التكيف الاجتماعي داخل المنظمة من خلال اعتمادها على الثقافة والقيم السائدة في المجتمع . وقد ساهمت هذه المدارس في وضع النظريات والمبادئ والوسائل والأساليب التي من خلالها يتوفر مزيج من المهارات والخصائص تمكن الفرد من التفاعل مع الاخرين والعمل بشكل فريق يوفر الوقت ليبدع والطاقة الفكرية ليبتكر من خلال ترسيخ القدرة لديه على اخذ المبادرة وتكريس الذات لتحقيق اهداف المنظمة . وكذلك تمكن الفرد من توفير وسائل العيش المعتادة والحصول على الرضا الذي يحققه العمل سواء في الحصول على فرصة تنمية العلاقات فيه . أو خلق الشعور القوي بالانجاز الشخصي في تنفيذ العمل بكفاءة وفاعلية. وتكاد تجمع هذه المدارس على ان مفهوم الرقابة في العمل يتمثل في القدرة على تشخيص الانحرافات والكشف عن اسبابها لتلافي النتائج السيئة التي يمكن ان تحصل في حالة تأخر الكشف عنها من خلال افراد كفؤين يتميزون بالخبرة والمهارة عن طريق قياس الاداء من اجل التأكد من ان الاهداف الموضوعة قد تحققت وان الخطط قد وضعت موضع التنفيذ بالشكل الصحيح . وأصبحت جهود هذه المدارس موضع اهتمام منظمات الاعمال ، بل وأصبحت تمثل الفرق بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة لما يتضح من خلال الاخذ بها والى حد بعيد الفرق بين مستويات العمل فيها . ففي الدول المتقدمة تعمل الادارة على تعزيز انتماء الموظف لعمله وتكريس قيم الالتزام بأخلاقيات العمل التي تعكس مستوى اخلاق العامل وتقوية الانتماء للأهداف المشتركة للجميع اثر تحفيزه على العمل لشعوره بالتقدير بكل انواعه وصوره وتعزيز الثقة بشخصيته التي هي نقطة توازنه التي لا تغيب عنه حتى في اصعب الظروف .
  بينما في الدول المتخلفة( ومنها نحن) فبدلا من الاستفادة من هذه الافكار واستغلالها في ادارة مؤسسات الدولة نجنح الى وضع ( مدرسة للإدارة) تتمثل فيها نقص الكفاءة وضبابية الاهداف والجهل بنقطة الوصول ، وقد تجلى بؤس هذه الادارة بالشواهد التالية :-
1.      فقد الادارة للتشخيص الاداري الرصين لعدم وجود فكر اداري يمتلك القدرة على الفهم والسيطرة على القيم والسلوك في مجال العمل .مما ادى الى تشابك المواقف والتشويش في التقييم . وكذلك ترسيخ الاعتقاد لدى الموظفين بان الادارات تعتمد في تقييمها على الشائعات وجماعات الضغط الاداري في تكوين الرأي الشخصي وتقييم المواقف.فضاعت الحقوق والتبست الواجبات وانهارت الكفاءة وتوقفت الفاعلية اثر تنامي صراع ضاري داخل منظمات الاعمال .وكانت النتيجة وأد الكفاءات وانحسار المبدعين اثر احساسهم بان موقع العمل اصبحت مركز لخطر يتهددهم ، لفقدهم حتى الحصانة الادبية التي تحميهم من الرمي (بحجارة من الكلمات ) .
2.      التعيينات المباشرة في مؤسسات الدولة من قبل الوزارات واستلام بعض الافراد للمسؤوليات بعد التعيين مباشرة وبغض النظر عن الكفاءة والخبرة بتأثير المحاباة والولاءات السياسية .وتنقل البعض من مؤسسة الى اخرى على هواه ووفقا لما تقتضيه مصلحته أو مصلحة الجهة التي ينتمي اليها .وأصبحت الترقية على اساس الاقرب لا الاكفأ .والبعض الاخر يرتقي دون استحقاق نظرا لأعمال وتسهيلات يقدمها خارج نطاق العمل ، لتعم الفوضى والارتجالية والعبث وضياع الوقت سدى .
3.      ان العملية الادارية في مؤسسات الدولة تعمل في بيئة تنظيمية ذات طابع احتفالي يتمثل فيه سذاجة الفكر الاداري الذي يستهلك النشاط والطاقة بفعاليات طقوسية وروتينية معقدة تعمل في ظروف من الضبابية العالية وتفتقد الى مزيج المهارات التي يمكن تسخيرها لجهود رشيدة توجه لانجازالاهداف التي تساهم في دعم البنى التحتية لعملية التنمية .
4.      غياب مبدأ التخصص في العمل فترى الاداري يعمل في المجال الفني والفني يعمل في المجال الاداري والخدمي يلعب مع الاثنين .مما ادى الى ارتباك العملية الادارية التي اصبحت تفتقر الى التخطيط الواضح والتنظيم السليم والتوجيه الفعال وغياب القدرة على اتخاذ القرار . وأصبحت هذه العملية لا تتجاوز عبارة ( اجراء اللازم وحسب الضوابط) التي ادت الى التأويل والاجتهاد لتصبح الرؤيا لإجراءات العمل رمادية بالإمكان تحويلها بيضاء في موقف محدد وسوداء في موقف اخر مما افقد العمل الاداري مصداقيته . 
5.      تعدد اجهزة الرقابة وتداخل المسؤوليات فيها مما ادى الى الثاثير سلباً على اداء العاملين من خلال خلق الارتباك في مجال العمل . اثر توجس الموظفين على سبيل المثال من روتين العمل لدائرة المشتريات ،التي تتوجس من لجنة المشتريات ،وكلاهما يتوجسان من لجنة الظل ، التي تتوجس من لجنة متابعة تنفيذ المشاريع ، التي تتوجس من التدقيق ، الذي يتوجس من المفتشين ،وجميع هؤلاء يتوجسون من النزاهة .مما عزز الشعور لدى الموظفين بان هذه الاجهزة هي مراكز خطر يجب تجنبها من خلال النظر اليها كأنها افعى تتربص من جحرها للانقضاض على فريسة خائفة مرعوبة . مما ادى الى تكوين بيئة عمل سيئة تساهم في احباط العاملين وتثبط عزيمتهم وتقلل من فرص المبادرة والتفكير والإبداع .
6.       افتقار المشاريع الى الجدوى الاقتصادية واعتماد العمل بمبدأ الاقتصاد الخفي الذي لا يظهر على اثره زيادة العمليات التي لاتسجل في الدخل القومي .وهدر الموارد العائمة التي يسهل الابتزاز من خلالها اثر الانفاق منها بشكل كبير في مجالات الاستثمار( المشاريع )الوهمية او الهامشية التي لا ترقى الى مستوى المشاريع الجادة.