18 ديسمبر، 2024 7:55 م

مدرسة الأخطاء النموذجيّة!

مدرسة الأخطاء النموذجيّة!

في حوار مرئي، مع الدكتور عبدالله الغذامي تحدّث بإعجاب عن إعلامي عماني شاب إلتقاه عام 1979 في أبو ظبي، وأجرى معه حوارا لإذاعة سلطنة عمان، فلفتت مهنيّته نظره، لقيامه  بجميع الأعمال التي يتطلّبها إجراء حوار إذاعي ، من تسجيل، وإعداد، وتقديم، وتصوير، وهذه الأمور، في ذلك الوقت، لم يكن من السهل على شخص واحد القيام بها، كما هو الحال اليوم، ودار بينهما كلام ظلّ عالقا في ذاكرة الأكاديمي، والناقد السعودي لأكثر من أربعين سنة،  بل إنه اعتبرما قاله، وقام به نموذجا يحتذى به، واتّخذ منه قدوة لطلّابه عندما كان يلقي محاضرات في قسم الإعلام في جامعة الملك عبد العزيز، ومما رواه الغذامي  عن ذلك الإعلامي الذي لم يحضره اسمه” عندما رآني مستغرباً قيامه بمفرده بكلّ تلك الأعمال، قال لي أنهم في عمان حينما قاموا بتأسيس الإذاعة كانوا أمام خيار أن يأتوا بمذيعين عرب من ذوي الخبرة، أو يقوم العمانيون بذلك، ويدخلوا المهنة ويجربوا ويتعلموا من أخطائهم”، وهنا مربط الفرس، يضيف الغذّامي” أكبرت هذا الوعي التنموي لدى هذا المذيع، فصرت أروي لطلابي هذه الحادثة، وأقول لهم أنكم لن تفلحوا ما لم تخطئوا”، فالنجاح اقترن بعبور الأخطاء، كونها مدرسة يجب أن ندخلها، لنتعلّم فيها العثرات، ومن العثرات ننهض لنخطّ لنا مسارا جديدا في دروب الحياة، دون أيّ حرج، فكلنا معرّض للوقوع في الخطأ، ومن الخطأ نتعلّم، ومما قرأت أن  الكاتب هنري ميللر(1891-1980) عندما بلغ الثمانين وجّه عدة نصائح عبر مقال طويل نشره عام 1972، قدّم خلاصات لما مرّ به  في حياته من تجارب من بينها فقرات تتعلّق بالأخطاء التي مرّ بها، مشخّصا مكامن الخطأ، فيقول” الخطأ ليس في الحياة، فهي مجرد محيط نسبح فيه، وعلينا أن نتكيّف معه، أو نغرق إلى الأسفل، لكن السؤال هو :هل بامكاننا كبشر ألا نلوّث مياه الحياة، وألا نحطم الروح التي تسكن داخلنا” ولأن لا فكاك من الأخطاء، يقول ميللر مستفيدا من خبرته في الحياة مخاطبا القاريء “ستشاهد أطفالك أو أحفادك وهم يرتكبون الأخطاء السخيفة نفسها التي ارتكبتها حين كنت في مثل عمرهم ولن يكون بوسعك أن تقول شيئا، أو أن تفعل شيئا لمنعها من الحدوث، ومن خلال مشاهدتهم سيكون بامكانك أن تفهم تدريجيا الحماقات التي كنت عليها يوما ما، والتي ما زلت تمارسها -ربما- إلى الآن”، وهنا يشير إلى الكثيرين الذين  تأخذهم العزّة بالإثم، فيصرّون على أخطائهم، ويكرّرونها، والخطأ يقود إلى الوقوع بخطأ أكبر، ويمضي المخطيء في دوّامة لا تنتهي من سلسلة من الأخطاء، وخلال ذلك يجدون أنفسهم أهدافا، وفرائس لمتصيّديها، وما أكثرهم! وما أكثرها! ، ومن يبحث يجد بغيته، هناك مقولة أجدها مناسبة في هذا السياق هي ” الأشخاص الوحيدون الذين يجدون ما يبحثون عنه في الحياة هم متصيدو الأخطاء”، فهي على قفا من يشيل! في الحديث الشريف” كل بني آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون” وللتوّابين منزلة عالية، وهذا نجده واضحا في قوله تعالى” إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين” لأنه يقبل التوبة، والخطيئة في الأديان السماويّة منبع الشرّ، وهناك طرق عديدة للتكفير عن الخطايا، من خلال التوبة ، وطلب المغفرة، والقيام بأعمال الخير، شرط أن يكون كل ذلك بنيّة صادقة.

لذا، ينبغي معالجة الأخطاء وتصحيحها، يقول المتنبّي:

ولم أرَ في عيوب الناس عيبا

كنقص القادرين على التمام

كما يجب عدم التنصّل من الأخطاء، لأنّها مقدّمات للصواب، ولا نتائج بدون مقدّمات، وكما قرأت في سنواتي الأولى عبارة ظلّت محفورة في ذاكرتي، هي  ” لتكن من عثراتنا طريقا للنجاح” وهي تنسجم مع عبارة الغذّامي التي استلهمها من إذاعي عماني ظل يبحث عنه حتى الساعة!