16 سبتمبر، 2024 9:50 م
Search
Close this search box.

مدافع نافارون  وصرائف أم شعثه ..!

مدافع نافارون  وصرائف أم شعثه ..!

تحمل رواية مدافع نافارون للروائي الاسكتلندي ( ألاستير ماك لين ) صورة الحرب بهاجسها البطولي ، يوم سكن جيوش التحالف هاجس أسمه المدافع الألمانية ذات السبطانات الكبيرة الحجم والقوة التدميرية الهائلة ، وكان في تسليح الجيش العراقي مثلها استخدمت في الحرب العراقية ــ الايرانية بالرغم انها مصنوعة في اربعينات القرن الماضي وتسمى مدافع 16 عقده ، واغلبها يُستخدم لتدمير المدن وتؤمن لها حماية كافية لأن مداها قريب ويكون تواجد حظائرها قريبا من مرمى النار في جبهات القتال. ومثل هذه المدافع انتشرت حول مدينة بدرة لقصف مدينة مهران الايرانية القريبة ، وحين دخلت الفرقة الثانية مشاة الى مهران ، اكتشفت أن معظم بيوتها من الطين ويكفي صوت المدفع لتهديمها ، لكن ال16 عقده قسى على المدينة وحول اغلب بيوتها الى تراب.

لكن في رواية ألاستير كان هناك مدفعان المانيان يصنعان رعبهما وهم يوجهان عنقيهما صوب المواقع الانكليزية في قبرص فيما كان الالمان في جزيرة نافاورون اليونانية .وليس كما  في العراق وبسبب حروبه الكثيرة امتلك مئات مثل مدافع نافارون ، ومدفع آخر يسمونه في الجيش مدفع ( طارق عزيز ) وكما يدعي الجنود أن طارق عزيز وزير الخارجية العراقية السابق هو من ذهب الى النمسا واستورده وكان يسمى المدفع ( النمساوي 130 ملم ). وسُلحت به جميع كتائب الحرس الجمهوري.

كنا قد عفيت من الخدمة في الجيش وعدت الى مدرستي في أم شعثه اعيش سعادة العزلة بعيدا عن بيانات الحروب و القرية لم تعرف اعمدة الكهرباء ، ولهذا لا تلفاز هنا حتى ترغمك القناة الوحيدة فيه على مشاهدة صور من المعركة ، وما نشاهده هنا هو المدى الاخضر للطبيعة في مرحها مع الطيور والزوارق وطوابير الجواميس التي لاتشبه طوابير الجنود وحربها فقط هو مع البعوض والسمك الذي يداعب افخاذها مازحا حين تقضي النهار بطوله عائمة في الماء تنتظر الرعاة ليوقظوها في المساء من أجل حلبها .

بدأت  الحرب وانتهت وأم شعثه ليس مع ما يحدث سوى أنها اعطت من فلذات اكباد الاباء شهدين لحرب الزمت القرية أن تعيش في حزنها بالرغم من نأيها عن ساحاتها ومدنها وتجانيدها.

ذات يوم وفي صباح صيفي تبكر فيه النجوم في انزواء بعد ليل قصير ، كنت قد تعودت على ان استيقظ على تغريدة بلبل الاذاعة هذا الذي يعلن افتتاح البث اليومي منذ تأسيسها والى اليوم ، وبعده انتظر اغنيات فيروز وهدير البوسطة ثم اغسل وجهي ، لأنتظرَ شغاتي يجلب لنا القيمر والشاي ثم نتوجه الى المدرسة ، لكن هذا الصباح لم يكن لفيروز وحدها الحضور الطاغيَّ عندما تفاجئ سكان القرية بصوت اطلاقاتٍ قوية تطلقها مدافع غير بعيدة عن القرية ، وكان الجميع يشعر بالفزع حين تمر الاطلاقة فوق القرية ذاهبة الى مكان غير بعيد حيث كنا نسمع ارتطامها بشيء ما واغلبه كان سقوطا في الماء .

سكن العجب والخوف وتبادل الاسئلة الصامتة ، واكثر من التجئ اليه اهل القرية هو أنا .

فقلت لهم :لا اعرف هذا ليس عملا يهم التربية حتى اعرف اجابته ، ولكن الذي اعرفه من خلال صوت المدافع أن كتيبة مدفعية ثقيلة تعسكر في اقرب بر لقريتنا من جهة الجبايش.

قال شغاتي :ولكن الجبهة بعيدة ،هناك في جهة العمارة وهور الحويزة .

قلت :لست قائدا عسكريا حتى اجيبك.

قال :ومع هذا سنرسل من يتنصت ويخبرنا ما الأمر ، الجواميس لا تُحسنُ العيشَ قربَ المدافع .

وأنا أتذكر مدافع نافارون حيث ليس بمقدور شغاتي وأهل القرية أن يعملوا شيئا ازاءها ولأنها ليست تستهدف قريتهم ، ولكننا عرفنا بعد أيام أن قنابل المدافع النمساوي لا تستهدف جبهة الحرب في الاهواز ، ولكنه يستهدف قرى تمرد ابناءها ولن يذهبوا الى الحرب وتقع في الهور القريب الى القرنة.

ومثل الذي يرتدي حزنه بصمت ، اخبرني شغاتي :أنه يريد أن يقرأ رواية مدافع نافارون مرة ثانية…!

أحدث المقالات