22 ديسمبر، 2024 2:56 م

مخيمات عامرية الفلوجة

مخيمات عامرية الفلوجة

بعض المؤسسات الاممية تعتمد خبراء للعمل لديها ممن مارسوا التخصص لثلاثة او خمسة سنوات
اليوم وبعد عشرات الزيارات الى مخيمات النازحين ومنذ احداث معركة الفلوجة الاولى عام 2003 الى اليوم  نجد ان كثيرا من العراقيين المعنيين في الجانب الاغاثي قد  حصلوا على خبرات في كيفية معالجة ازمات النازحين الانسانية وكيفية التعامل معها حتى صار احدهم خبيرا من الطراز الخاص اذا ما اعتمد امميا في هذا المجال.
الا ان زيارة واحدة لنازحي عامرية الفلوجة تضيف نقطة تحول كبيرة في معنى (الازمة) من ناحية الكم والنوع
لعل القاريء الكريم لا يمكنه تصور الحالة ان لم يطلع عليها ميدانيا لان الالم الحقيقي لا يمكن وصفه كما تشاهده بعينك وايضا لا يمكن تصوره كما تشعر به وهو ينخر بجسدك عافاكم الله…
ففي حرارة تزيد عن 50 درجة مئوية وفي ارض لا فيها شجر ولا حجر ولا جدار تستظل تحته…
رمال ترابية تلسع الجلد من سخونتها ..ولا يسع هذه الرمال تركك حال دخولك المخيم الا وقد ملات مابين جسدك وماترتديه   …هناك حيث ….الخيم  بلا فراش…….بلا كهرباء …….بلا ماء ….
اطفال ونساء وشيوخ يفترشون الرمال تحت ظل الخيمة الصغيرة . يلهثون وقد يبست شفاههم وجلودهم وتشوهت شعورهم
وانت تشاهدهم …..حالا سوف… تتذكر فلم الرسالة حيث حال المسلمين في الحصار الذي فرضته قريش على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في مكة عام الحزن
حال دخولنا للمخيم شاهدنا سيارة حوضية تحمل مواد اغاثية تسيرببطيء وتتسابق العوائل خلفها وتجد صور المعانات من فوقها وعن يمينها وعن شمالها والاطفال والنساء يتراكضون خلفها مع ان شحنة الشاحنة لا تكفي نصف عدد المحتفين بها
وعلى مسافة قريبة منها شاهدنا بركة صغيرة للماء المخلوط بالطين والاطفال في داخلها يملأون قدورهم منها لعلهم يستخدمون ماءها كاستخدام منزلي .
وبينما نحن نلتقط الصورلاطفال البركة مر بقربنا شاب يحمل ربع قالب ثلج ولون القالب يميل الى الترابي من كثرة المادة الطينية المتجمدة معه فقلنا له هل يوزعون الثلج ؟؟؟   قال …لا ..اشتريته فقالب الثلج هنا باربع اضعافه  …
وعلى مسافة قريبة شاب يبيع الخضار وعند الاستفسار عن اسعارها تبين انها ضعفي الاسعارالسائدة في السوق
ثم انطلقنا نبحث عن مخيم بعينه واذا بنا ندخل مخيما قد انتشرت النفايات في كل زواياه ويتجول الاطفال في هذه النفايات ولا ادري على ماذا يبحثون ؟
    ومخيم اخرلا يحتوي على عدد كافي من الخيم وعدد من العوائل تفترش التراب وتحت اشعة الشمس المحرقة وفي السموم اللاهف بينما عوائل اخرى قد افترشت قواعد خشبية يعلوها سقف خشبي وجدران مكشوفة وقد سمعنا صوت بكاء واضح انه لطفلة صغيرة حديثة الولادة …وعندما التقينا بامها التي هي شابة لم تتجاوز العشرين من عمرها . تبين ان الطفلة تصرخ من الجوع حيث لا يوجد حليب في صدر امها ولا يمتلكون علبة حليب واحدة لاطعامها وان امها تشربها ماء فقط علما ان الماء قد ارتفعت حرارته فوق الاربعين درجة مئوية
ثم انتقلنا الى خيم قريبة واذا النساء والاطفال يستقبلوننا ويلتفون حول السيارة منهم من يبحث عن منقذ له من الجوع واخر يريد مالا لعلاج زوجته واخر يريد علاجا لجسده الذي ازرق من التعذيب واخرى تبكي ابنها وزوجها المفقودين وبينما نحن بين هذا وذاك حتى وصلنا الى مخيم كل سكانه من ناحية الصقلاوية التابعة للفلوجة يسمى مخيم البشائر F8 عدد الخيم فيه 354 خيمة قياس 4*4 متر وكل خيمة تحتوي اكثر من ثلاثة عوائل فيصبح مجموعها اكثر من 730 عائلة .
في هذا المخيم ستطلع على صور المعانات الانسانية التي قد تجعلك  تتمنى لو انك لم تعيش في هذا الزمان …
امراة في الاربعين من العمر فقدت زوجها وخمسة ابناءها واصغرهم تولد عام 2000  تقول انهم سحبوه من بين يدي وهو يصرخ ( يمة الحكيلي …) والى الان لم اعرف مكانهم….واجهشت بالبكاء..والنساء من حولها يقولون لها (( خلي عينج بعين الله…)) واخرى بالخمسين من عمرها تقول ((بس اني بقيت وابناءئي كلهم خذوهم ….ولا واحد ضل لي ..حسبي الله …حسبي الله ))
وفتى بعمر 15 سنة  ونتيجة للقصف العشوائي قطع جسده من الوسط ففقد الاطراف السفلى والحوض وبقية جسده مملوء شضايا
وبينما نحن نتحدث مع مجموعة من هؤلاء جاءنا طفل بعمر 8 سنوات فقال انا تصوبت بالقصف شوف اصابتي عمو ..
واذا بها اطلاقة نارية دخلت رسخ يده اليمنى وخرجت من الجهة الاخرى …فقال له بعضهم ..ابني انت مابيك شيء ..اذهب لامك ..روح …روح
قلت حقا ان مصيبة هذا الطفل صغيرة مقابل ما لاحظناه عند غيره ….على الرغم من انه لو كان هذا الطفل في دولة اخرى لتلاقفته المؤسسات المعنية بالطفولة بالاهتمام …
ياهل العراق ليس لكم غير الله تلتجؤون اليه ….حسبنا الله ونعم الوكيل