18 ديسمبر، 2024 9:47 م
عبد الله هذا رجل مستقيم مكافح يعرف حدود الله. يقيم للعادات والتقاليد وزناً ما يكسبه احتراماً بالغاً بين أقرانه وبين الناس. يعمل منذ صغره ويتحمل المسؤوليات ولديه عائلة محترمة وأولاد صغار وزوجة صالحة وهو رجل على نياته تماماً.
وفقه الله لبناء بيت صغير في حديقة بيت والده القديم. وصل الآن إلى مرحلة شراء الصحيات وملحقاته بعد أن اكتمل عمل البلاط (الكاشي). ذهب إلى محل بيع الصحيات وقام باختيار ما سيشتريه ودفع الثمن. إلاّ أن صاحب المحل أعلمه أن هذا المحل هو معرض للمواد من مغاسل ومقاعد وحنفيات وما إلى ذلك وإن استلام المواد يكون من المخزن. الآن يجب عليه الذهاب إلى المخزن الذي أرشده إيّـاه صاحب المحل.
المخزن لا يبعد عن هذا المعرض سوى 200-300 متر فقط وهناك حمالين سيقومون بتحميل هذه المواد في سيارات حمل منتظرة ومن ثم نقلها إلى الموقع والبيت الجديد لعبد الله. دفع عبد الله مبلغ المواد واستلم الوصل وخرج مسرعاً إلى المخزن القريب. يطالع وهو يمشي عناوين قطع الدلالة ليستدل إلى المخزن. ما أن سار مسافة حتى وجد محلاً قد كتب عليه مخزن. وقف عبد الله وقد ارتسمت على وجنتيه ملامح الفرح والسرور. ها هو قد وجد مكان المخــزن دون شقاء وعناء وسوف يستلم المواد التي اشتراها من المعرض وسينطلق بها إلى بيته الجديد ويفرح زوجته وعياله. من شدة الفرح دخل المحل الذي يكتب في واجهته كلمة مخـــزن. دون أن ينظر إلى ما في حوله أخرج وصل المواد من جيبه ليقدمه إلى الشخص الواقف خلف طاولة في هذا المخزن. الرجل صاحب المخزن ما أن نظر إلى الورقة حتى ابتسم شيئاً ما وقال لعبد لله: يبدو أنك قد أفرطت في الشرب.
بالطبع عبد الله هذا اندهش من السؤال فأي شيء يقصده صاحب المخزن يا ترى؟ سأله عبد الله: شرب ماذا؟
أجابه الرجل: أنت تعلم ما شربته وليس أنا. لكن يبدو أن مفعوله فعال جداً أو شربت الكثير.
انتبه عبد الله أن المحل الذي دخله لا يحتوي أي شيء من مواد الصّحيات التي جاء لاستلامها. سارع إلى السؤال: أليس هذا مخــزن للمستلزمات الصحية؟!
قال الرجل: أي صحيات عزيزي، هذا محل لبيع المشروبات الكحولية! يعني عرك ووسكي وبيرة وشراب معتق كما تشاهد.
عبد الله أدرك أنه قد دخل المحل بالخطأ دون انتباه. سارع بالاعتذار والخروج وترك المكان فوراً وصاحب المحل يعتقد جازماً أن عبد الله في حالة سكر بالغ حتى ودعه وهو ما زال يضحك. خرج عبد الله من المخزن فتلقاه عن طريق الصدفة جاره القديم الذي صعق عندما شاهد عبد الله يخرج من محل لبيع المشروبات الكحولية. الجار سأل عبد الله: ها أبو نجم؟ هاي ما متوقعة منك؟!
كيف يثبت عبد الله أنه لا يشرب الخمر ولم يأتي إلى هنا لشراء مشروب كحولي؟ كيف سيقنع عبد الله الجميع انه هنا لشراء المغاسل والمقاعد والحنفيات؟ كيف سيقنع عبد الله صاحب محل المشروبات الكحولية بأنه قد أخطأ العنوان وأنه ليس ثملاً؟!
هكذا حالنا في بلد يسمي محل بيع المشروبات الكحولية بـ(المخزن). نحن عاجزون عن التعبير عن أنفسنا في زمن تعقدت فيه كل المعاملات وأصبحت الأمور تسير بالرشاوي والاتاوات. الروتين القاتل والفساد المستشري والكهرباء المفقودة في صيف لاهب والحر الشديد وأزمة المحروقات والعطالة وانعدام تعين الشباب الحالم وتشغيل الخريجين والعجز في ميزانية الدولة وعدم إقرار الموازنة والخوف من المستقبل المجهول لأولادنا وعشرون عاماً من الوجع جعلنا نسير ولا نفقه وجهتنا كالسكارى وما نحن بسكارى.