إن التركة التي ورثها رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي من سلفه نوري المالكي لم تكن ثقيلة فقط ، بل هي جبل من المشاكل التي تعصف بالعراق من شماله الى جنوبه، محافظات سقطت بالكامل في يد تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يسمى بداعش ، انهيار أمني ، أزمة مالية خانقة ، انعدام الخدمات الضرورية ، مشاكل سياسية ، تدخلات خارجية تحاول التدخل في صناعة القرار العراقي ، والأسوأ والأخطر من ذلك كله هو الدور التخريبي الذي يلعبه المالكي لإسقاط الحكومة والعودة لإدارة البلد من جديد ولكن هذه المرة بنظام رئاسي ، النظام الذي بات نواب كتلته يدعون الى اعتماده بعد تغيير الدستور .
ولطالما أطلق العديد من الساسة والناشطين تحذيرات من خطورة مخططات المالكي الذي لاحدود لجنونه وإجرامه ، لكن الكثيرين لم يأخذوا الأمر على محمل الجد ، وبقي المالكي يحيك مخططاته الشيطانية من موقعه كنائب لرئيس الجمهورية ، ولم يتخذ العبادي أية خطوة تجاه تلك التحذيرات سوى تغيير بطاقات دخول المنطقة الخضراء وإبطال ما لايقل عن خمسة آلاف بطاقة بحوزة الميليشيات الموالية للمالكي والتي أحرقت بغداد بمفخخاتها وعبواتها الناسفة ، إلا أن العبادي لم يتمكن حتى الآن من استبعاد الموالين للمالكي من داخل القوات الأمنية المكلفة بحماية المنطقة الخضراء من الداخل والخارج .
وقبل انطلاق التظاهرات في ساحة التحرير بأيام ، اندس الموالون للمالكي في صفوف الداعين للتظاهرات عبر شبكات التواصل الاجتماعي الفيس بوك و تويتر ، وحرضوا الجماهير على الاشتراك فيها ، ليس حباً في العراقيين المحرومين من الخدمات ولكن سعياً منهم لتنفيذ أمرٍ دُبر بليل .
وفي مساء يوم الحادي والثلاثين من تموز انطلقت التظاهرات بمشاركة مئات الآلاف من العراقيين الغاضبين المطالبين بتوفير الخدمات كالكهرباء والماء وتحسين ظروف المعيشة ، وشارك فيها العديد من المثقفين والأدباء والفنانين والاكاديميين والنخب اليسارية والليبرالية من مختلف الأعمار ، وكالعادة اندس اتباع المالكي بين الحشود بانتظار التوجيهات من قيادتهم ، أما عناصر الشرطة ذوي الوجوه الباسمة الذين يوزعون قناني الماء على المتظاهرين فكانوا على أهبة الاستعداد ايضاً للإشتراك في تنفيذ خطة المالكي الجهنمية .
الخطة كانت تقتضي حرف المظاهرات عن مسارها وعبور جسر الجمهورية والإنقضاض على المنطقة الخضراء من الباب المسمى بباب التخطيط وارتكاب مجزرة ضحاياها شخصيات حكومية وأعضاء بالبرلمان (يسكنون في شقق المجمع) وقتل النواب السنة والكرد جميعاً بعد تهريب نواب دولة القانون من باب الكرادة ، والإدعاء بأن الشعب الغاضب أعدم البرلمانيين في تصرف عفوي تعبيراً عن غضبه ، ومن ثم الإعلان عن إسقاط الحكومة تحت يافطة (ثورة الشعب) ، ومن ثم مبايعة المالكي بطريقة تحمل شرعية كاذبة أمام الرأي العام العالمي بحجة أن ثوار ساحة التحرير هم من نصبوا المالكي قائدا أوحد للعراق .
ولعل العبادي انتبه بطريقة أو باخرى لخطورة الموقف ، فأصدر أمراً بإغلاق باب التخطيط على الفور ومنع دخول وخروج السيارات والمشاة مهما كانت مناصبهم ، ووضع دبابة وآليات عسكرية قرب الباب من الداخل ، وفعل الشيء ذاته في باب اخرى (باب التشريع) ، وأمر بإبقاء هذين البابين مغلقين في الأيام اللاحقة ايضا .
المالكي حتى الآن لم يقم بإلغاء مخططه لإسقاط الحكومة وتمزيق البرلمان مستفيدا من التظاهرات ومن الدعم الإيراني السري ، فالخدمات متردية والفقر يتصاعد والفقراء باتوا يزجون ابناءهم في الحشد الشعبي ويرسلونهم الى الموت في الانبار وصلاح الدين من اجل الحصول على مخصصات شهيد تقيهم الموت جوعاً .
المالكي يستفيد من هذه الظروف المتدهورة ليحصل على شرعية لإنقلابه القادم ، وباختصار شديد ، العراق لن يعيش بسلام طالما أن المالكي على قيد الحياة ، سيقتل ويفجر ويغدر وينتقم ويفعل ما لايخطر ببال أحد ، من أجل الاستحواذ على السلطة مجدداً .