17 نوفمبر، 2024 1:55 م
Search
Close this search box.

مختار القرية

انقطاع الأمطار والجفاف الحاصل أضر بالقرية كثيراً. ظهرت المجاعة فيها والقحط والجوع والخوف يخيم على أرجاء القرية. الحيوانات بدت نحيفة جداُ والأمراض المنتشرة تنال من الكبير والصغير على حد سواء. أخبار الموت والأمراض متفشية تقع كالصاعقة على المسامع في فترات متقاربة.
مختار القرية يبدو أنه رجل قوي جداً يخرج على الملأ ويخاطبهم وهو على أحسن حال. وكيف لا وقد اختاره أهل القرية مختاراً لصرامته وعزيمته وقوته ويبدو أنه كان نعم الاختيار. في حين أن أهل القرية لا يقوون على الوقوف على أرجلهم، يخرج عليهم المختار يرفع من عزيمتهم ويتحدث إليهم طويلاً ولا يبالي للجوع والمرض. الكل منبهر لقوة المختار في هذه الفترة الحرجة من انعدام الطعام والشراب. فهم لم يأكلوا زاداً منذ أيام وقد أنهك الجوع قوة بدنهم. لكن المختار يمشي مع معيته دون أن يبالي وهو يسند بدنه بكل صرامة. الحمد لله لحسن اختيار أهل القرية لهذا المختار الذي يمشي في الطرقات متفقداً الرعيّة بعزيمة لا تلين. رغم أن أهل القرية لا يقوون على الصمود أمام الضعف الذي أصاب بدنهم، إلاّ أنهم يتأملون خيراً عندما يشاهدون مختار القرية الذي يعاني ما يعانون ولكنه صامد صمود الجبال الشاهقة التي لا تهزها الرياح العاتية. يا لهذا المختار الذي لا يبالي من الجوع ولا يتأثر بالصعاب ويا لبدنه القوي الذي يسنده وهو يمشي متبختراً ويحدّث الناس ويعمل على رفع معنوياتهم.
هكذا هي شيم الرجال في القيادة الذين لا يهمهم شيئاً إلاّ مصلحة أناسهم الذي يعملون من أجلهم. صناديد لا ينال منهم الجوع ولا المرض وهم يتفقدون الناس ليطمئنوا على حال وأحوال الناس الذين منحوهم الثقة. هيئة المختار وهندامه البهي وقوامه الصلد وتسريحة شعره البراقة، من شأنه أن يبعث على التفاؤل بأن الغد سيكون أفضل وأن السماء ستمطر عليهم بالخيرات وسوف يأكل الجميع وستأكل الدواب والكل سيكون معافى.
في حين أن أهل القرية كانوا متفائلين من رؤية المختار وهيئته المنشرحة وقوته البدنية العجيبة في زمن الجوع والظمأ هذا لم يكن أحد يعرف أن خزين المختار من الطعام والشراب يكفيه ويكفي القرية بأجمعه إذا وزع عليهم. لا أحد يعرف أن المختار يأكل أفضل اللحوم الطريّة من مخزون القرية ولا يوزعه على المحتاجين والمعوزين كما كان ينبغي له ذلك. لا أحد يعرف قط أن المختار ليس بالصنديد الذي يرونه، بل هو لا علاقة له بالمصائب التي تصيب البسطاء وهو رغم كل شيء يعيش بنعيم محصول القرية ورفاهية خيرات القرية التي لو وزعت شيئاً منها لكفت أهل القرية أجمعين.

أحدث المقالات