23 نوفمبر، 2024 12:21 ص
Search
Close this search box.

مخبوء النص وخبيء الناص – العراق رائداً للنقد الثقافي

مخبوء النص وخبيء الناص – العراق رائداً للنقد الثقافي

ليس من باب جر النار إلى القرص أقول : تتجه طروحات كتاب ( النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق ـ العراق رائداً )(1) للشاعر الباحث حسين القاصد إلى رد البضاعة إلى أهلها ، ضمن إمكانيات استدلالية ، وظفها الباحث الذي استعان بمقبوسات نصية للغذامي ربطها برؤيته المعمقة للأنساق المضمرة ؛ فتحقق في كتابه ـ المهم ـ هذا الارتباط النصي لمرجعية المآل ؛ إذ حافظ على خطابه الصريح / الشجاع ، في كينونته الموضوعية في بنية لغوية قامت في أكثرها ، على نسق حجاجي هدفه إقناع المتلقي أو إذعانه أو التسليم به . من بين رهانات القاصد الكثيرة في هذا الكتاب ، هي الرد على الغذامي ، وإثبات ريادة النقد الثقافي إلى العراق ، تنظيراً وتطبيقاً ومن هنا تكمن أهمية الكتاب ؛ إذ شرع الباحث يفسل مقولات الغذامي في النقد الثقافي ، ويحللها ويقارنها مع مقولات عراقية سابقة ، تدخل في سياق النقد الثقافي ، فكان من أعمدتها البارزة علي الوردي ، وحسين مردان ، وعلي جواد الطاهر ومحمد حسين الأعرجي ( لقد كان للعراقيين الصولة الأولى في النقد الثقافي ، وهذا ما اعترف به الغذامي ، لكنه حاول التقليل من شأنه، فهو لم يتطرق لحسين مردان ومقالاته ، ولم يتطرق لكتابات الدكتور علي جواد الطاهر في هذا المجال )  ص 15 إننا نجد في هذا الكتاب آراءً نوعية ، تبرز ضمن بنية التحليل اللساني ، التي تدفع بنا ، إلى تأطير معرفي / ثقافي للمطروح في النسق المضمر ، وبالمقابل يقوم الباحث ، بعملية تفنيد لآراء الغذامي  الشبيهة بالحق فاتحاً ـ القاصد ـ فتحاً مبيناً ؛ تمثل بتدمير النموذج المثال الذي ساقه الغذامي ، بدلاً من بقائه محنطاً مسلماً به ؛ إذ أثبت الباحث ، أن تضاريس النقد الثقافي لدى الغذامي جاء داخلاً في مكنونات لاوعيه وتأسيساً على هذا فـ ( قد لا نحتاج لأدلة كبيرة بأن هناك نسقين مضمرين في طرح الغذامي.. الأول: طائفي في تناوله لشعراء شيعة ، والثاني: جعله العراق ساحة تطبيقية لتنظيره، وهذا نابع من نسق مضمر ، هو التركيز على العراق ؛ لإخفاء السبق الذي حققه علي الوردي ، وعلي جواد الطاهر ، وحسين مردان ، ومحمد حسين الأعرجي في هذا المضمار) ص 18 ويبدو من خلال تحليل نصوص الغذامي ورؤيته وانتخاباته أنه مفكر جهوي ؛ فهو يطبق نقده الثقافي ، خارج حدود جغرافية بلده ، وأيدلوجيته العقدية/ السياسية لينقلها إلى العراق ، محاولاً اغتصاب الريادة له بهذا الخروج والترحيل ؛ فهو لا يقدم أدلة اشتغالاته من محيطه القبلي المتخم بالأنساق المضمرة ، وإنما يحاول ـ بحسب القاصد ـ أن ( يصدر معاناته في مجتمعه ، إلى رقعة جغرافية مجاورة ليجد عزاءً مناسباً لمجتمعه المغلق، ونلمس ذلك بوضوح ، في تـناوله لصدام حسين ، ليقع في وهم تنظيري خطير ، ومرتبك في آن واحد ) ص25 ويمضي القاصد قدماً في سوق أدلة اشتغالات الغذامي الطائفية / القومية مثبتاً أن أفكاره ، غير متجانسة البتة ، مع النسق المعرفي للفهم النصي . إن المسلة النقدية الثقافية ، التي شيدها القاصد هي مسلة متينة ، ولاسيما أنه أحال إلى مصادره التوثيقية ، بأمانة تامة فضلاً عن أخذه لمقولات الغذامي وتناقضاتها وتفنيدها ، على طريقة من فمك أدينك فضلاً عن التوثيق التاريخي ، لمقولات العلماء الأعلام من العراق ، الذين سبقوا الغذامي في نقده الثقافي ، وأنساقه المضمرة ، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ، في هذه السطور ، وضع كل طروحات القاصد هنا ، لكن كاتب السطور ، يزعم أن ما يطرحه المؤلف هنا ، يقع ضمن دائرة الصحيح المسلم به ، بمسوغات يقينية جعلها تدافع عن صدقها بنفسها ؛ ذلك لأن الغذامي في كتابه يتعمد تطبيق نقده الثقافي على العراق إذ ( إن نسق التصدير الذي مارسه الغذامي ، هو حيلة ثقافية ؛ لأنه غض حواسه جميعها عن جمال عبد الناصر، وحروبه، ودكتاتوريته، ولعل ذلك كان مغازلة للإعلام المصري ، الذي له سطوته في تلميع الأسماء وتسقيطها أيضـًا ) ص27 وتبرز حيلة الغذامي هذه ، باستعماله اللغة الشمولية المسلم بها المفروغ منها ؛ لكي يمارس سلطته التصديرية وثقة المتلقي بما يقول ، إذ يكاد يقنع المتلقي بها ؛ لذا جاءت محاورات القاصد له مشتملة بالضرورة ، على تقنية الشاهد والمثل ، أو ما يمكن أن نطلق عليه الإسناد المثالي الذي لا يقبل الشك بحشد الدعم اللغوي ، واحتكامه إلى الأنساق المضمرة ، بغية الوصول الى تساوي العقلي مع اللغوي مع الاجتماعي رداً على الآفة المعرفية ، التي يمارسها الغذامي ولاسيما عند مناقشة موضوعة الشعوبية ؛ ورد القاصد عليه مستغرباً متسائلاً ، لماذا لم يجرؤ أحد ويقول : ( إن هارون الرشيد شعوبي كونه قرب الفرس من سلطانه؛ فالمتهم الوحيد بالشعوبية ، هو الأديب – الشاعر على الأشهر – فبشار بن برد شعوبي جدًا على الرغم من مقتله ؛ بسبب دفاعه عن أول دولة قومية وهي الدولة الأموية !! ) ص 39 بعد ذلك ، يتجه الكتاب الى إثبات مرجعية النقد الثقافي العراقي ، تنظيراً وتطبيقاً ، بالشواهد والأمثلة ،ومحاورتها محاورة مسهبة . إن هذا الكتاب يكشف حيل الثقافة الممررة في الأنساق الثقافية الجماهيرية المغروس فيها مخبوء النص وخبيء الناص.
(1) النقد الثقافي ريادة وتنظير وتطبيق ـ العراق رائداً ، حسين القاصد / دار تجليات القاهرة  2013م.

أحدث المقالات

أحدث المقالات