18 ديسمبر، 2024 11:09 م

مخالفة القانون ٣٧٢ للدستور

مخالفة القانون ٣٧٢ للدستور

ككثير من القوانين في العراق التي بقيت سارية المفعول ومعمولا بها رغم مخالفتها لدستور ٢٠٠٥، مازال يعمل بالقانون ٣٧٢، والذي يجب أن يعد باطلا بحكم الدستور. وهذه المادة تنص على الآتي:

١) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات:

أ- من اعتدى بإحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو حقر من شعائرها.

هـ- من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو احترام لدى طائفة دينية.

وأصبحت هذه المادة المعادية لحرية الفكر والعقيدة وحرية التعبير سيفا مسلطا على كل صاحب رأي لا يروق لبعض الجهات السياسية أو الدينية ليحكم به، في حال زاول شخص ما حقه في التعبير وانتقد فكرة دينية أو شخصية دينية أو ممارسة ما حتى لو لم تكن من الدين كالشعائر الدخيلة، لتستخدم هذه المادة لكمّ فمه وكسر قلمه.

إن المادة القانونية آنفة الذكر باطلة بحكم دستور ٢٠٠٥ كما أشرت، فلقد جاء في المادة (١٣): أولا من الدستور:

«يُعَدُّ هذا الدستور القانون الأسمى والأعلى في العراق، ويكون ملزما في أنحائه كافة، وبدون استثناء.»

وفي ثانيا من نفس المادة الدستورية ورد:

«لا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويُعد باطلا كل نص يرد في دساتير الأقاليم أو أي نص قانوني آخر يتعارض معه.»

وعندما اعتبرت المادة الدستورية أي نص قانوني يتعارض مع الدستور، جاء ذلك على نحو الإطلاق والتعميم، سواء كان النص الدستوري قد شرع بعد ٢٠٠٣، أو كان قد شرع من قبل في العهود السابقة التي مر بها العراق. وبالتالي يعتبر القانون ٣٧٢ كله باطلا بحكم الدستور، ذلك لتعارضه مع المواد الدستورية أدناه:

المادة (٣٧):

ثانيا: تكفل الدولة حماية الفرد من الإكراه الفكري والسياسي والديني.

المادة (٣٨):

تكفل الدولة وبما لا يخل بالنظام العام والآداب:

أولا: حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل.

المادة (٤٢):

لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة.

المادة (٤٦):

لا يكون تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات الواردة في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه، على ألا يمس ذلك التحديد والتقييد جوهر الحق أو الحرية.

إذن بحكم كل من المادة (٣٧) ثانيا، والمادة (٣٨) أولا، والمادة (٤٢)، والمادة (٤٦)، يكون القانون ٣٧٢ باطلا، ولا يجوز إنزال أي عقوبة بموجبه، لمخالفته للمواد الدستورية المذكورة، ولأن «الدستور يعد القانون الأسمى والأعلى في العراق»، و«يُعَدُّ باطلا كل […] نص قانوني آخر يتعارض معه». وهذا يشمل بالتأكيد قوانين أخرى.

وقد جاء في مشروع التعديل الدستوري الشامل والجذري الموسوم بدستور دولة المواطنة:

الفصل الرابع – الهيئات المستقلة

المادة (١٠٦):

تعد المفوضيات والهيئات أدناه هيئات مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب، وتنظم أعمالها بقانون:

5. الهيئة المستقلة العليا لإلغاء القوانين المتعارضة مع الدستور.

أما إذا قيل بأن هذا مجرد مشروع تعديل دستوري أنت الذي وضعته، ولم يؤخذ به حتى الآن، أقول حتى بموجب الدستور الحالي تعتبر هذه المادة القانونية وأمثالها باطلة، وبهذا تعد السلطة التشريعية منذ الدورة الأولى لمجلس النواب (٢٠٠٦ – ٢٠١٠) حتى يومنا هذا مقصرة، لأنها لم تقم بواجبها التشريعي في مراجعة القوانين المتعارضة مع الدستور وعدها باطلة، ذلك بتشكيل لجنة نيابية مختصة لهذا الغرض، أو على الأقل تشريع قانون لتفعيل المادة (١٣) ينص على عدم جواز عمل المحاكم في العراق بالقوانين المتعارضة مع الدستور، بحيث يستطيع المحامي المدافع عن أي متهم تقام دعوى عليه وفق واحد من تلك القوانين المطالبة بتبرئته عبر عدّ القانون الذي يراد أن يدان به المتهم باطلا، وفي حال لم يستجب القاضي وحكم على المتهم مع ذلك وفق تلك المادة القانونية الباطلة دستوريا، يجري التمييز لدى المحكمة الاتحادية المسؤولة عن تفسير الدستور.

ثم إن هذه المادة تستخدم بشكل انتقائي، بحسب الجهة المدعية والجهة المدعى عليها، وغالبا ما تكون وراء ذلك أجندات سياسية لبعض القوى المتنفذة، أو بسبب انحياز القاضي لواحدة من تلك القوى السياسية، أو متحيزا لدين أو لمذهب. فمثلا نجد الكثير من المعممين، خاصة من خطباء المنابر، يتناولون شخصيات مقدسة عند المذهب الآخر باللعن، ولا أحد يجرؤ أن يقدم دعوى ضدهم، بل نجد كتابا مقدسا لدي دين الأكثرية يتناول عقائد أديان أخرى لها أتباع في العراق بما فيه ازدراء وتحقير وتكفير، ومع هذا لا يستطيع أحد أن يقيم دعوى ضد ذلك الكتاب وضد من يزاول تلاوته علنا، ذلك التزاما هنا بحرية الدين واحترام دين الأكثرية بشكل خاص. فالقانون إما يسري على الجميع أو يعد باطلا، أيضا بحكم الدستور الذي يقول في المادة (١٦):

العراقيون متساوون أمام القانون في الحقوق والواجبات دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو العشيرة أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي أو المركز السياسي أو الديني.